للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِيهِ سَبْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ) لَمَّا ذَكَرَ مَكَايِدَ الْمُشْرِكِينَ أَمَرَ نَبِيَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِالصَّبْرِ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى الصَّلَاةِ، وَفِيهَا طَلَبُ النَّصْرِ عَلَى الْأَعْدَاءِ. وَمِثْلُهُ" وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ «١» ". وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي مَعْنَى إِقَامَةِ الصَّلَاةِ فِي أَوَّلِ سورة البقرة «٢». وهذا الْآيَةُ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ إِشَارَةٌ إِلَى الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الدُّلُوكِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا- أَنَّهُ زَوَالُ الشَّمْسِ عَنْ كَبِدِ السَّمَاءِ، قَالَهُ عُمَرُ وَابْنُهُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَطَائِفَةٌ سِوَاهُمْ مِنْ عُلَمَاءِ التَّابِعِينَ وَغَيْرِهِمْ. الثَّانِي- أن الدلوك هو المغرب، قَالَهُ عَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: مَنْ جَعَلَ الدُّلُوكَ اسْمًا لِغُرُوبِهَا فَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَدْلُكُ عَيْنَيْهِ بِرَاحَتِهِ لِتَبَيُّنِهَا حَالَةَ الْمَغِيبِ، وَمَنْ جَعَلَهُ اسْمًا لِزَوَالِهَا فَلِأَنَّهُ يَدْلُكُ عَيْنَيْهِ لِشِدَّةِ شُعَاعِهَا. وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: دُلُوكُهَا غُرُوبِهَا. وَدَلَكَتْ بَرَاحِ يَعْنِي الشَّمْسَ، أَيْ غَابَتْ وَأَنْشَدَ قُطْرُبٌ:

هَذَا مَقَامُ قَدَمَيْ رَبَاحِ ... ذَبَّبَ حَتَّى دَلَكَتْ بَرَاحِ

بَرَاحِ (بِفَتْحِ الْبَاءِ) عَلَى وَزْنِ حَزَامِ وَقَطَامِ ورقاس اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ الشَّمْسِ «٣». وَرَوَاهُ الْفَرَّاءُ (بِكَسْرِ الْبَاءِ «٤») وَهُوَ جَمْعُ رَاحَةٍ وَهِيَ الْكَفُّ، أَيْ غَابَتْ وَهُوَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا وَقَدْ جَعَلَ كَفَّهُ على حاجبه. ومنه قوله الْعَجَّاجِ:

وَالشَّمْسُ قَدْ كَادَتْ تَكُونُ دَنَفَا ... أَدْفَعُهَا بِالرَّاحِ كَيْ تَزَحْلَفَا

قَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الزُّحْلُوفَةُ مَكَانٌ مُنْحَدِرٌ أَمْلَسُ، لِأَنَّهُمْ يَتَزَحْلَفُونَ فِيهِ. قَالَ: وَالزَّحْلَفَةُ كَالدَّحْرَجَةِ وَالدَّفْعِ، يُقَالُ: زَحْلَفْتُهُ فَتَزَحْلَفَ. وَيُقَالُ: دَلَكَتِ الشَّمْسُ إِذَا غَابَتْ. قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

مَصَابِيحُ لَيْسَتْ بِاللَّوَاتِي تَقُودُهَا ... نُجُومٌ وَلَا بِالْآفِلَاتِ الدوالك


(١). راجع ص ٦٤ من هذا الجزء.
(٢). راجع ج ١ ص ١٦٤.
(٣). كذا في الأصول. والصواب عن أسماء النساء. [ ..... ]
(٤). أي باء الجر.