للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الشَّفَاعَةَ". وَمِنْ ذَلِكَ الْقُرْآنُ وَانْشِقَاقُ الْقَمَرِ وَتَكْلِيمُهُ الشَّجَرَ وَإِطْعَامُهُ الطَّعَامَ خَلْقًا عَظِيمًا مِنْ تُمَيْرَاتٍ وَدُرُورِ شَاةِ أُمِّ مَعْبَدٍ بَعْدَ جَفَافٍ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ مَعْنَاهُ، وَزَادَ: وَهُوَ أَعْظَمُ النَّاسِ أُمَّةً وَخُتِمَ بِهِ النَّبِيُّونَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْخُلُقِ الْعَظِيمِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ. وَيَحْتَمِلُ اللَّفْظُ أَنْ يُرَادَ بِهِ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ عَظُمَتْ آيَاتُهُ، وَيَكُونُ الْكَلَامُ تَأْكِيدًا. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ رَفْعَ إِدْرِيسَ الْمَكَانَ الْعَلِيَّ، وَمَرَاتِبُ الْأَنْبِيَاءِ فِي السَّمَاءِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْإِسْرَاءِ، وَسَيَأْتِي. وَبَيِّنَاتُ عِيسَى هِيَ إِحْيَاءُ الْمَوْتَى وَإِبْرَاءُ الْأَكْمَهِ وَالْأَبْرَصِ وَخَلْقُ الطَّيْرِ مِنَ الطِّينِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ فِي التَّنْزِيلِ. (وَأَيَّدْناهُ) قَوَّيْنَاهُ. (بِرُوحِ الْقُدُسِ) جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ «١». قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ شاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ) أَيْ مِنْ بَعْدِ الرُّسُلِ. وَقِيلَ: الضَّمِيرُ لِمُوسَى وَعِيسَى، وَالِاثْنَانِ جَمْعٌ. وَقِيلَ: مِنْ بَعْدِ جَمِيعِ الرُّسُلِ، وَهُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. وَقِيلَ: إِنَّ الْقِتَالَ إِنَّمَا وَقَعَ مِنَ الَّذِينَ جَاءُوا بَعْدَهُمْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْمَعْنَى، بَلِ الْمُرَادُ مَا اقْتَتَلَ النَّاسُ بَعْدَ كُلِّ نَبِيٍّ، وَهَذَا كَمَا تَقُولُ: اشْتَرَيْتُ خَيْلًا ثُمَّ بِعْتُهَا، فَجَائِزٌ لَكَ هَذِهِ الْعِبَارَةُ وَأَنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَ فَرَسًا وَبِعْتَهُ ثُمَّ آخَرَ وَبِعْتَهُ ثُمَّ آخَرَ وَبِعْتَهُ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ النَّوَازِلُ إِنَّمَا اخْتَلَفَ النَّاسُ بَعْدَ كُلِّ نَبِيٍّ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ بَغْيًا وَحَسَدًا وَعَلَى حُطَامِ الدُّنْيَا، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِقَضَاءٍ وَقَدَرٍ وَإِرَادَةٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْ شَاءَ خِلَافَ ذَلِكَ لَكَانَ وَلَكِنَّهُ الْمُسْتَأْثِرُ بِسِرِّ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ لِمَا يُرِيدُ. وَكُسِرَتِ النُّونُ مِنْ" وَلكِنِ اخْتَلَفُوا" لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ، وَيَجُوزُ حَذْفُهَا فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

فَلَسْتُ بِآتِيهِ وَلَا أَسْتَطِيعُهُ ... وَلَاكِ اسْقِنِي إِنْ كَانَ مَاؤُكَ ذَا فَضْلِ

«٢» (فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ) " مَنْ" في موضع رفع بالابتداء والصفة.

[[سورة البقرة (٢): آية ٢٥٤]]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ (٢٥٤)


(١). ج ٢ ص ٢٤.
(٢). البيت للنجاشي، وصف أنه اصطحب ذئبا في فلاة مضلة لا ماء فيها، وزعم أن الذئب رد عليه فقال: لست بآت ما دعوتني إليه من الصحبة ولا أستطيعه لأنني وحشي وأنت إنسى ولكن اسقني إن كأن ماؤك فاضلا عن ربك (عن شرح الشواهد للشنتمري).