للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَيْرُهُمْ، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَغَضِبَ مِنْ ذَلِكَ وَقَالَ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أُصَلِّيَ عَلَيْهِ) [ثُمَّ دَعَا مَمْلُوكِيهِ «١»] فَجَزَّأَهُمْ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ أَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فَأَعْتَقَ اثْنَيْنِ وَأَرَقَّ أَرْبَعَةً. وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ: وَقَالَ لَهُ قَوْلًا شَدِيدًا، بَدَلَ قَوْلِهِ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَلَّا أُصَلِّيَ عَلَيْهِ).

[سورة البقرة (٢): الآيات ١٨٣ الى ١٨٤]

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (١٨٤)

فِيهِ سِتُّ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ" لَمَّا ذَكَرَ مَا كُتِبَ عَلَى الْمُكَلَّفِينَ مِنَ الْقِصَاصِ وَالْوَصِيَّةِ ذَكَرَ أَيْضًا أَنَّهُ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الصِّيَامُ وَأَلْزَمَهُمْ إِيَّاهُ وَأَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بُنِيَ الْإِسْلَامِ عَلَى خَمْسً شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَالْحَجِّ) رَوَاهُ ابْنُ عُمَرَ. وَمَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ: الْإِمْسَاكُ، وَتَرْكُ التَّنَقُّلِ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ. وَيُقَالُ لِلصَّمْتِ صَوْمٌ، لِأَنَّهُ. إِمْسَاكٌ عَنِ الْكَلَامِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُخْبِرًا عَنْ مريم:" إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمنِ صَوْماً «٢» " [مريم: ٢٦] أَيْ سُكُوتًا عَنِ الْكَلَامِ. وَالصَّوْمِ: رُكُودُ الرِّيحِ، وَهُوَ إِمْسَاكُهَا عَنِ الْهُبُوبِ. وَصَامَتِ الدَّابَّةُ عَلَى آرِيِّهَا «٣»

: قَامَتْ وَثَبَتَتْ فَلَمْ تَعْتَلِفْ. وَصَامَ النَّهَارُ: اعْتَدَلَ. وَمَصَامُ الشَّمْسِ حَيْثُ تَسْتَوِي فِي مُنْتَصَفِ النَّهَارِ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّابِغَةِ:

خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ ... تَحْتَ الْعَجَاجِ وَخَيْلٌ تَعْلُكُ اللُّجُمَا


(١). الزيادة عن سنن النسائي.
(٢). راجع ج ١١ ص ٩٧.
(٣). الأري: حبل تشد به الداية في محبسها، ويسمى الأخية.