للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِيَةُ لِأَنَّ مَعْنَى" صِبْغَةَ اللَّهِ" غَسْلُ اللَّهِ، أَيِ اغْتَسِلُوا عِنْدَ إِسْلَامِكُمُ الْغُسْلُ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ وَبِهَذَا الْمَعْنَى جَاءَتِ السُّنَّةُ الثَّابِتَةُ فِي قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ وَثُمَامَةَ بْنِ أَثَالٍ حِينَ أَسْلَمَا. رَوَى أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِ مُسْنَدِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ ثُمَامَةَ الْحَنَفِيَّ «١» أُسِرَ فَمَرَّ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَأَسْلَمَ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَى حَائِطِ «٢» أَبِي طَلْحَةَ فَأَمَرَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (حَسُنَ إِسْلَامُ صَاحِبِكُمْ). وَخَرَّجَ أَيْضًا عَنْ قَيْسِ بْنِ عَاصِمٍ أَنَّهُ أَسْلَمَ، فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَغْتَسِلَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ. ذَكَرَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ. وَقِيلَ: إِنَّ الْقُرْبَةَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى يُقَالُ لَهَا صِبْغَةٌ، حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ. وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ:" صِبْغَةَ اللَّهِ" دِينُهُ. وَقِيلَ: إِنَّ الصِّبْغَةَ الْخِتَانُ، اخْتُتِنَ إِبْرَاهِيمُ فَجَرَتِ الصِّبْغَةُ عَلَى الْخِتَانِ لِصَبْغِهِمُ الْغِلْمَانَ فِي الْمَاءِ، قَالَهُ الْفَرَّاءُ. وَنَحْنُ لَهُ عابِدُونَ

" ابتداء وخبر.

[[سورة البقرة (٢): آية ١٣٩]]

قُلْ أَتُحَاجُّونَنا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنا وَرَبُّكُمْ وَلَنا أَعْمالُنا وَلَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩)

قَالَ الْحَسَنُ: كَانَتْ الْمُحَاجَّةُ أَنْ قَالُوا: نَحْنُ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ، لِأَنَّا أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ. وَقِيلَ: لِتَقَدُّمِ آبَائِنَا وَكُتُبِنَا، وَلِأَنَّا لَمْ نَعْبُدِ الْأَوْثَانَ. فَمَعْنَى الْآيَةِ: قُلْ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ، أَيْ قُلْ لِهَؤُلَاءِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى الَّذِينَ زَعَمُوا أَنَّهُمْ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ وَادَّعَوْا أَنَّهُمْ أَوْلَى بِاللَّهِ مِنْكُمْ لِقِدَمِ آبَائِهِمْ وَكُتُبِهِمْ:" أَتُحَاجُّونَنا" أَيْ أَتُجَاذِبُونَنَا الْحُجَّةَ عَلَى دَعْوَاكُمْ وَالرَّبُّ وَاحِدٌ، وَكُلٌّ مُجَازًى بِعَمَلِهِ، فَأَيُّ تَأْثِيرٍ لِقِدَمِ الدِّينِ. وَمَعْنَى" فِي اللَّهِ" أَيْ فِي دِينِهِ وَالْقُرْبِ مِنْهُ وَالْحَظْوَةِ لَهُ «٣». وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ:" أَتُحَاجُّونَنا". وَجَازَ اجْتِمَاعُ حَرْفَيْنِ مِثْلَيْنِ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مُتَحَرِّكَيْنِ، لِأَنَّ الثاني كالمنفصل. وقرا ابن محصين" أَتُحَاجُّونَّا" بِالْإِدْغَامِ لِاجْتِمَاعِ الْمِثْلَيْنِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا


(١). ثمامة الحنفي هو ثمامة بن أثال المتقدم.
(٢). الحائط: البستان من النخل إذا كان عليه جدار.
(٣). كذا في الأصول، ولعل صوابه:" والحظوة عنده".