للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْنِي، فَتَكُونُ الْآيَةُ فِي الْمُؤْمِنِينَ، فَتَجِيءُ الْآيَةُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْبَاخِلِينَ مَنْفِيَّةٌ عَنْهُمْ مَحَبَّةُ اللَّهِ، فَأَحْسِنُوا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ إِلَى مَنْ سُمِّيَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ فِيهِ الْخِلَالُ الْمَانِعَةُ مِنَ الْإِحْسَانِ. الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ) الْبُخْلُ الْمَذْمُومُ فِي الشَّرْعِ هُوَ الِامْتِنَاعُ مِنْ أَدَاءِ مَا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ. وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) الْآيَةَ. وَقَدْ مَضَى فِي (آلِ عِمْرَانَ) الْقَوْلُ فِي الْبُخْلِ وَحَقِيقَتِهِ، وَالْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الشُّحِّ مُسْتَوْفًى «١». وَالْمُرَادُ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ الْيَهُودُ، فَإِنَّهُمْ جَمَعُوا بَيْنَ الِاخْتِيَالِ وَالْفَخْرِ وَالْبُخْلِ بِالْمَالِ وَكِتْمَانِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ التَّوْرَاةِ مِنْ نَعْتِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ الْمُنَافِقُونَ الذين كَانَ إِنْفَاقُهُمْ وَإِيمَانُهُمْ تَقِيَّةً، وَالْمَعْنَى إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ، وَلَا الَّذِينَ يَبْخَلُونَ، عَلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ إِعْرَابِهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً) فَصَلَ تَعَالَى تَوَعُّدَ الْمُؤْمِنِينَ الْبَاخِلِينَ مِنْ تَوَعُّدِ الْكَافِرِينَ بِأَنْ جَعَلَ الْأَوَّلَ عَدَمَ الْمَحَبَّةِ وَالثَّانِي عَذَابًا مُهِينًا.

[[سورة النساء (٤): آية ٣٨]]

وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ وَلا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَنْ يَكُنِ الشَّيْطانُ لَهُ قَرِيناً فَساءَ قَرِيناً (٣٨)

فِيهِ مَسْأَلَتَانِ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ) الْآيَةَ. عَطَفَ تَعَالَى عَلَى (الَّذِينَ يَبْخَلُونَ): (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ رِئاءَ النَّاسِ). وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى الْكَافِرِينَ، فَيَكُونُ فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ. وَمَنْ رَأَى زِيَادَةَ الْوَاوِ أَجَازَ أَنْ يَكُونَ الثَّانِي عِنْدَهُ خَبَرًا لِلْأَوَّلِ. قَالَ الْجُمْهُورُ نَزَلَتْ فِي الْمُنَافِقِينَ: لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (رِئاءَ النَّاسِ)

وَالرِّئَاءُ مِنَ النِّفَاقِ. مُجَاهِدٌ: فِي الْيَهُودِ. وَضَعَّفَهُ الطَّبَرِيُّ، لِأَنَّهُ تَعَالَى نَفَى عَنْ هَذِهِ الصَّنْفَةِ «٢» الْإِيمَانَ بِاللَّهِ واليوم الآخر، واليهود


(١). راجع ج ٤ ص ٢٩٠.
(٢). الصنفة (بكسر الصاد وسكون النون): طائفة من القبيلة. وقيل: طائفة من كل شي.