للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالْإِنْجِيلِ، وَالثَّانِي لِكُفْرِهِمْ بِالْقُرْآنِ. وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُرَادُ التأييد وَشِدَّةُ الْحَالِ عَلَيْهِمْ، لَا أَنَّهُ أَرَادَ غَضَبَيْنِ معللين بمعصيتين. و" مُهِينٌ" مَأْخُوذٌ مِنَ الْهَوَانِ، وَهُوَ مَا اقْتَضَى الْخُلُودَ فِي النَّارِ دَائِمًا بِخِلَافِ خُلُودِ الْعُصَاةِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّ ذَلِكَ تَمْحِيصٌ لَهُمْ وَتَطْهِيرٌ، كَرَجْمِ الزَّانِي وَقَطْعِ يَدِ السَّارِقِ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ" النِّسَاءِ «١» " مِنْ حَدِيثِ أَبِي سعيد الخدري، إن شاء الله تعالى.

[[سورة البقرة (٢): آية ٩١]]

وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِما أَنْزَلَ اللَّهُ قالُوا نُؤْمِنُ بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِما مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِياءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِذا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا" أَيْ صَدِّقُوا" بِما أَنْزَلَ اللَّهُ" يَعْنِي الْقُرْآنَ" قالُوا نُؤْمِنُ" أَيْ نُصَدِّقُ" بِما أُنْزِلَ عَلَيْنا" يَعْنِي التَّوْرَاةَ." وَيَكْفُرُونَ بِما وَراءَهُ" أَيْ بِمَا سِوَاهُ، عَنِ الْفَرَّاءِ. وَقَتَادَةَ: بِمَا بَعْدَهُ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عُبَيْدَةَ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَرَاءَ بِمَعْنَى خَلْفَ، وَقَدْ تَكُونُ بِمَعْنَى قُدَّامَ. وَهِيَ مِنَ الْأَضْدَادِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ «٢» " أي أمامهم، وتصغيرها ورئية (بِالْهَاءِ) وَهِيَ شَاذَّةٌ. وَانْتَصَبَ" وَراءَهُ" عَلَى الظَّرْفِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: يُقَالُ لَقِيتُهُ مِنْ وَرَاءُ، فَتَرْفَعُهُ عَلَى الْغَايَةِ إِذَا كَانَ غَيْرَ مُضَافٍ تَجْعَلُهُ اسْمًا وَهُوَ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ، كَقَوْلِكَ: مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ، وَأَنْشَدَ:

إِذَا أَنَا لَمْ أُومَنْ عَلَيْكَ وَلَمْ يَكُنْ ... لِقَاؤُكَ إِلَّا مِنْ وَرَاءُ وراء «٣»

فلت: وَمِنْهُ قَوْلُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ: (إِنَّمَا كُنْتُ خَلِيلًا مِنْ وَرَاءَ وَرَاءَ «٤»). وَالْوَرَاءُ: وَلَدُ الْوَلَدِ أَيْضًا. قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَهُوَ الْحَقُّ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ." مُصَدِّقاً

" حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ عِنْدَ سِيبَوَيْهِ." لِما مَعَهُمْ" مَا فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ بِاللَّامِ، وَ" مَعَهُمْ" صِلَتُهَا، وَ" مَعَهُمْ" نُصِبَ بالاستقرار، ومن أسكن جعله حرفا.


(١). راجع ج ٥ ص ٨٧ - ويأتي أيضا في المائدة والنور، راجع ج ٦ ص ١٥٩، ج ٢١ ص ١٥٩.
(٢). راجع ج ١١ ص ٣٤.
(٣). البيت لعي بن مالك العقيلي. (عن اللسان). [ ..... ]
(٤). الذي في النهاية واللسان مادة (روى):" إنى كنت، إلخ، وفيهما: هكذا يروى مبيتا على الفتح، أي من خلف حجاب".