مِثْلَ ذَلِكَ، وَالَّذِينَ كَذَبُوا حِينَ اعْتَقَدُوا غَيْرَ ذَلِكَ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ أَنْ يَكُونَ صَدَقُوا مُشْتَقًّا من الصدق وهو الصلب والكاذبين مُشْتَقًّا مِنْ كَذَبَ إِذَا انْهَزَمَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى، فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ ثَبَتُوا فِي الْحَرْبِ، وَالَّذِينَ انهزموا، كما قال الشاعر «١»:
لَيْثٌ بِعَثَّرَ يَصْطَادُ الرِّجَالَ إِذَا ... مَا اللَّيْثُ كَذَّبَ عَنْ أَقْرَانِهِ صَدَقَا
فَجَعَلَ" لَيَعْلَمَنَّ" فِي مَوْضِعِ فَلَيُبَيِّنَنَّ مَجَازًا. وَقِرَاءَةُ الْجَمَاعَةِ" فَلَيَعْلَمَنَّ" بِفَتْحِ الْيَاءِ وَاللَّامِ. وَقَرَأَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ اللَّامِ وَهِيَ تُبَيِّنُ مَعْنَى مَا قَالَهُ النَّحَّاسُ. وَيَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ أَنْ يُعْلِمَ فِي الْآخِرَةِ هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ بِمَنَازِلِهِمْ مِنْ ثَوَابِهِ وَعِقَابِهِ وَبِأَعْمَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا، بِمَعْنَى يُوقِفُهُمْ عَلَى مَا كَانَ مِنْهُمْ. الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفًا تَقْدِيرُهُ، فَلَيُعْلِمَنَّ النَّاسَ وَالْعَالَمَ هَؤُلَاءِ الصَّادِقِينَ وَالْكَاذِبِينَ، أَيْ يَفْضَحُهُمْ وَيُشْهِرُهُمْ، هَؤُلَاءِ فِي الْخَيْرِ وَهَؤُلَاءِ فِي الشَّرِّ، وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنَ الْعَلَامَةِ، أَيْ يَضَعُ لِكُلِّ طَائِفَةٍ عَلَامَةً يَشْتَهِرُ بِهَا. فَالْآيَةُ عَلَى هَذَا تَنْظُرُ إِلَى قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" مِنْ أسر سريرة ألبسه الله رداءها".
[سورة العنكبوت (٢٩): الآيات ٤ الى ٧]
أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (٤) مَنْ كانَ يَرْجُوا لِقاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٥) وَمَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ (٦) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ (٧)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي الشرك قال (أَنْ يَسْبِقُونا) أي يفوتنا وَيُعْجِزُونَا قَبْلَ أَنْ نُؤَاخِذَهُمْ بِمَا يَفْعَلُونَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يُرِيدُ الْوَلِيدَ بْنَ الْمُغِيرَةِ وَأَبَا جَهْلٍ وَالْأَسْوَدَ وَالْعَاصِ بْنَ هِشَامٍ وَشَيْبَةَ وَعُتْبَةَ وَالْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ وَعُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وحنظلة بن
(١). هو زهير بن أبى سلمى. وعثر بشد المثلثة اسم موضع.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute