للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَالَ فَمَا عَمِلْتَ فِيهِ؟ قَالَ: تَشَمَّرْتُ وَحَذِرْتُ، قَالَ: فَذَاكَ التَّقْوَى. وَأَخَذَ هَذَا الْمَعْنَى ابْنُ الْمُعْتَزِّ فَنَظَمَهُ:

خَلِّ الذُّنُوبَ صَغِيرَهَا ... وَكَبِيرَهَا ذَاكَ التُّقَى

وَاصْنَعْ كَمَاشٍ فَوْقَ أَرْ ... ضِ الشَّوْكِ يَحْذَرُ مَا يَرَى

لَا تُحَقِرَنَّ صَغِيرَةً ... إِنَّ الجبال من الحصى

السادسة التقوى فيها جماع الْخَيْرِ كُلِّهِ، وَهِيَ وَصِيَّةُ اللَّهِ فِي الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ، وَهِيَ خَيْرُ مَا يَسْتَفِيدُهُ الْإِنْسَانُ، كَمَا قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَقَدْ قِيلَ لَهُ: إِنَّ أَصْحَابَكَ يَقُولُونَ الشِّعْرَ وَأَنْتَ مَا حُفِظَ عَنْكَ شي، فَقَالَ:

يُرِيدُ الْمَرْءُ أَنْ يُؤْتَى مُنَاهُ ... وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا مَا أَرَادَا

يَقُولُ الْمَرْءُ فَائِدَتِي وَمَالِي ... وَتَقْوَى اللَّهِ أَفْضَلُ مَا اسْتَفَادَا

وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: (مَا اسْتَفَادَ الْمُؤْمِنُ بَعْدَ تَقْوَى اللَّهِ خَيْرًا لَهُ مِنْ زَوْجَةٍ صَالِحَةٍ إِنْ أَمَرَهَا أَطَاعَتْهُ وَإِنْ نَظَرَ إِلَيْهَا سَرَّتْهُ وَإِنْ أَقْسَمَ عَلَيْهَا أَبَرَّتْهُ وَإِنْ غَابَ عَنْهَا نَصَحَتْهُ فِي نَفْسِهَا وَمَالِهِ (. وَالْأَصْلُ فِي التَّقْوَى: وَقْوَى عَلَى وَزْنِ فَعْلَى فَقُلِبَتِ الْوَاوُ تَاءً مِنْ وَقَيْتُهُ أَقِيِهُ أَيْ مَنَعْتُهُ، وَرَجُلٌ تَقِيٌّ أَيْ خَائِفٌ، أَصْلُهُ وَقَى، وَكَذَلِكَ تُقَاةٌ كَانَتْ فِي الْأَصْلِ وُقَاةٌ، كَمَا قَالُوا: تُجَاهَ وَتُرَاثَ، وَالْأَصْلُ وجاه ووراث.

[[سورة البقرة (٢): آية ٣]]

الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (٣)

فِيهَا سِتٌّ وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً:

الْأُولَى قَوْلُهُ: (الَّذِينَ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ نَعْتٌ" لِلْمُتَّقِينَ"، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الْقَطْعِ أَيْ هُمُ الَّذِينَ، وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْمَدْحِ. (يُؤْمِنُونَ) يُصَدِّقُونَ. وَالْإِيمَانُ فِي اللُّغَةِ: التَّصْدِيقُ، وَفِي التَّنْزِيلِ:" وَما أَنْتَ «١» بِمُؤْمِنٍ لَنا" أَيْ بِمُصَدِّقٍ، وَيَتَعَدَّى بِالْبَاءِ وَاللَّامِ، كَمَا قَالَ:" وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ «٢» " ... " فَما آمَنَ لِمُوسى «٣» " وَرَوَى حَجَّاجُ بْنُ حجاج


(١). سورة يوسف آية ١٧.
(٢). سورة آل عمران آية ٧٣.
(٣). سورة يونس آية ٨٣