للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيَّامٍ خَرَجَ عَنْهُمْ فَأَصْبَحُوا فَلَمْ يَجِدُوهُ فَتَابُوا وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْأُمَّهَاتِ وَالْأَوْلَادِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَوْبَتَهُمْ قَبْلَ رُؤْيَةِ عَلَامَةِ الْعَذَابِ. وَسِيَأْتِي مُسْنَدًا مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ" وَالصَّافَّاتِ" «١» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَيَكُونُ مَعْنَى (كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ) أَيِ الْعَذَابَ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ يُونُسُ أَنَّهُ يَنْزِلُ بِهِمْ، لَا أَنَّهُمْ رَأَوْهُ عَيَانًا وَلَا مُخَايَلَةَ، وَعَلَى هَذَا لَا إِشْكَالَ وَلَا تَعَارُضَ وَلَا خُصُوصَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَكَانَ أَهْلُ نِينَوَى فِي سَابِقِ الْعِلْمِ مِنَ السُّعَدَاءِ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْحَذَرَ لَا يَرُدُّ الْقَدَرَ، وَإِنَّ الدُّعَاءَ لَيَرُدُّ الْقَدَرَ. وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:" إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا". قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَذَلِكَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ) قِيلَ: إِلَى أَجَلِهِمْ، قاله السُّدِّيُّ. وَقِيلَ: إِلَى أَنْ يَصِيرُوا إِلَى الْجَنَّةِ أو إلى النار، قاله ابن عباس.

[[سورة يونس (١٠): آية ٩٩]]

وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (٩٩)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) " أَيْ لَاضْطَرَّهُمْ إِلَيْهِ." كُلُّهُمْ" تَأْكِيدٌ لِ"- مَنْ"." جَمِيعاً" عِنْدَ سِيبَوَيْهِ نُصِبَ عَلَى الْحَالِ. وَقَالَ الْأَخْفَشُ: جَاءَ بِقَوْلِهِ جَمِيعًا بَعْدَ كُلِّ تَأْكِيدًا، كَقَوْلِهِ:" لَا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ" «٢» [النحل: ٥١] قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرِيصًا عَلَى إِيمَانِ جَمِيعِ النَّاسِ، فَأَخْبَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ السَّعَادَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ، وَلَا يَضِلُّ إِلَّا مَنْ سَبَقَتْ لَهُ الشَّقَاوَةُ فِي الذِّكْرِ الْأَوَّلِ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّاسِ هُنَا أَبُو طَالِبٍ، وَهُوَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أيضا.

[[سورة يونس (١٠): آية ١٠٠]]

وَما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تُؤْمِنَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (١٠٠)


(١). راجع ج ١٥ ص ١٢١.
(٢). راجع ج ١٠ ص ١١٣.