للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[[سورة الحج (٢٢): آية ٦٢]]

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (٦٢)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) أَيْ ذُو الْحَقِّ، فَدِينُهُ الْحَقُّ وَعِبَادَتُهُ حَقٌّ. وَالْمُؤْمِنُونَ يَسْتَحِقُّونَ مِنْهُ النَّصْرَ بِحُكْمِ وَعْدِهِ الْحَقُّ. (وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ) أَيِ الْأَصْنَامُ الَّتِي لَا اسْتِحْقَاقَ لَهَا فِي الْعِبَادَاتِ. وَقَرَأَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ وَأَبُو بَكْرٍ" وَأَنَّ مَا تَدْعُونَ" بِالتَّاءِ عَلَى الْخِطَابِ، وَاخْتَارَهُ أَبُو حَاتِمٍ. الْبَاقُونَ بِالْيَاءِ عَلَى الْخَبَرِ هُنَا وَفِي لُقْمَانَ «١»، وَاخْتَارَهُ أَبُو عُبَيْدٍ. (وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ) أَيِ الْعَالِي عَلَى كل شي بِقُدْرَتِهِ، وَالْعَالِي عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَنْدَادِ، الْمُقَدَّسِ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِجَلَالِهِ. (الْكَبِيرُ) أَيِ الْمَوْصُوفُ بِالْعَظَمَةِ وَالْجَلَالِ وَكِبَرِ الشَّأْنِ. وَقِيلَ: الْكَبِيرُ ذُو الْكِبْرِيَاءِ وَالْكِبْرِيَاءُ عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ، أَيْ لَهُ الْوُجُودُ الْمُطْلَقُ أَبَدًا وَأَزَلًا، فَهُوَ الْأَوَّلُ الْقَدِيمُ، وَالْآخِرُ الْبَاقِي بعد فناء خلقه.

[[سورة الحج (٢٢): آية ٦٣]]

أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (٦٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ- مِنَ السَّماءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً) دَلِيلٌ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ، أَيْ مَنْ قَدَرَ عَلَى هَذَا قَدَرَ عَلَى إِعَادَةِ الْحَيَاةِ بَعْدَ الْمَوْتِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ «٢» " [فصلت: ٣٩]. وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ." فَتُصْبِحُ" لَيْسَ بِجَوَابٍ فَيَكُونَ مَنْصُوبًا، وَإِنَّمَا هُوَ خَبَرٌ عِنْدَ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ. قَالَ الْخَلِيلُ: الْمَعْنَى انْتَبِهْ! أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ ماء فكان كذا وكذا، كما قال:

أَلَمْ تَسْأَلِ الرَّبْعَ الْقَوَاءَ فَيَنْطِقُ ... وَهَلْ تُخْبِرَنْكَ اليوم بيداء سملق «٣»


(١). راجع ج ١٤ ص ٧٨.
(٢). راجع ص ٦ من هذا الجزء.
(٣). البيت لجميل بن عبد الله صاحب بثينة. والقواء (بفتح القاف): القفر. والبيداء: القفر أيضا، الذي يبيد من سلك فيه. والسملق (بفتح السين وسكون الميم وفتح اللام): الأرض التي لا تنبت، وهى السهلة المستوية. (شواهد العيني).