أَمْرٌ يُدْرِكُهُ الْبَصَرُ وَيُلْقِيهِ إِلَى الْقَلْبِ مُتَلَائِمًا، فَتَتَعَلَّقُ بِهِ النَّفْسُ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ بِوَجْهِ ذَلِكَ وَلَا نِسْبَتِهِ لِأَحَدٍ مِنَ الْبَشَرِ. وَأَمَّا جَمَالُ الْأَخْلَاقِ فَكَوْنُهَا عَلَى الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ مِنَ الْعِلْمِ وَالْحِكْمَةِ وَالْعَدْلِ وَالْعِفَّةِ، وَكَظْمِ الْغَيْظِ وَإِرَادَةِ الْخَيْرِ لِكُلِّ أَحَدٍ. وَأَمَّا جَمَالُ الْأَفْعَالِ فَهُوَ وُجُودُهَا مُلَائِمَةً لِمَصَالِحِ الْخَلْقِ وَقَاضِيَةً لِجَلْبِ الْمَنَافِعِ فِيهِمْ وَصَرْفِ الشَّرِّ عَنْهُمْ. وَجَمَالُ الْأَنْعَامِ وَالدَّوَابِّ مِنْ جَمَالِ الْخِلْقَةِ، وَهُوَ مَرْئِيٌّ بِالْأَبْصَارِ مُوَافِقٌ لِلْبَصَائِرِ. وَمِنْ جَمَالِهَا كَثْرَتُهَا وَقَوْلُ النَّاسِ إِذَا رَأَوْهَا هَذِهِ نَعَمُ فُلَانٍ، قَالَهُ السُّدِّيُّ. وَلِأَنَّهَا إِذَا رَاحَتْ تَوَفَّرَ حُسْنُهَا وَعَظُمَ شَأْنُهَا وَتَعَلَّقَتِ الْقُلُوبُ بِهَا، لِأَنَّهَا إِذْ ذَاكَ أَعْظَمُ مَا تكون أسمنه وَضُرُوعًا، قَالَهُ قَتَادَةُ. وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَدَّمَ الرَّوَاحَ عَلَى السَّرَاحِ لِتَكَامُلِ دَرِّهَا وَسُرُورِ النَّفْسِ بِهَا إِذْ ذَاكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ" وَذَلِكَ فِي الْمَوَاشِي حِينَ تَرُوحُ إِلَى الْمَرْعَى وَتَسْرَحُ عَلَيْهِ. وَالرَّوَاحُ رُجُوعُهَا بِالْعَشِيِّ مِنَ الْمَرْعَى، وَالسَّرَاحُ بِالْغَدَاةِ، تَقُولُ: سَرَحْتِ الْإِبِلُ أَسْرَحُهَا سَرْحًا وَسُرُوحًا إِذَا غَدَوْتُ بِهَا إِلَى الْمَرْعَى فَخَلَّيْتُهَا، وَسَرَحَتْ هي. المتعدي واللازم واحد.
[[سورة النحل (١٦): آية ٧]]
وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ إِلى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الْأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (٧)
فيه ثلاث مسائل: قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَتَحْمِلُ أَثْقالَكُمْ) الْأَثْقَالُ أَثْقَالُ النَّاسِ مِنْ مَتَاعٍ وَطَعَامٍ وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَا يُثْقِلُ الْإِنْسَانَ حَمْلُهُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ أَبْدَانُهُمْ، يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقالَها «١» " وَالْبَلَدُ مَكَّةُ، فِي قَوْلِ عِكْرِمَةَ. وَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْعُمُومِ فِي كُلِّ بَلَدٍ مَسْلَكُهُ عَلَى الظَّهْرِ. وَشِقُّ الْأَنْفُسِ: مَشَقَّتُهَا وَغَايَةُ جَهْدِهَا. وَقِرَاءَةُ الْعَامَّةِ بِكَسْرِ الشِّينِ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: وَالشِّقُّ الْمَشَقَّةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَمْ تَكُونُوا بالِغِيهِ إِلَّا بِشِقِّ الْأَنْفُسِ"
(١). راجع ج ٢٠ ص ١٤٧، ولعل الأثقال في الزلزلة: الكنوز.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute