للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ يَسْأَلُ مَتَى يَكُونُ! عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَالتَّكْذِيبِ. فَهُوَ لَا يَقْنَعُ بِمَا هُوَ فِيهِ مِنَ التَّكْذِيبِ، وَلَكِنْ يَأْثَمُ لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْفُجُورَ التَّكْذِيبُ مَا ذَكَرَهُ الْقُتَبِيُّ وَغَيْرُهُ: أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَصَدَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَشَكَا إِلَيْهِ نَقَبَ إِبِلِهِ «١» وَدَبَرَهَا، وَسَأَلَهُ أَنْ يَحْمِلَهُ عَلَى غَيْرِهَا فَلَمْ يَحْمِلْهُ، فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ:

أَقْسَمَ بِاللَّهِ أَبُو حَفْصٍ عُمَرْ ... مَا مَسَّهَا مِنْ نَقَبٍ وَلَا دَبَرْ

فَاغْفِرْ لَهُ اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ فَجَرْ

يَعْنِي إِنْ كَانَ كَذَّبَنِي فِيمَا ذَكَرْتُ. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: يُعَجِّلُ الْمَعْصِيَةَ وَيُسَوِّفُ التَّوْبَةَ. وَفِي بَعْضِ الْحَدِيثِ قَالَ: يَقُولُ سَوْفَ أَتُوبُ وَلَا يَتُوبُ، فَهُوَ قَدْ أَخْلَفَ فَكَذَبَ. وَهَذَا قَوْلُ مُجَاهِدٍ وَالْحَسَنِ وَعِكْرِمَةَ وَالسُّدِّيِّ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، يَقُولُ: سَوْفَ أَتُوبُ، سَوْفَ أَتُوبُ، حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمَوْتُ عَلَى أَشَرِّ أَحْوَالِهِ. وَقَالَ الضَّحَّاكُ: هُوَ الْأَمَلُ يَقُولُ سَوْفَ أَعِيشُ وَأُصِيبُ مِنَ الدُّنْيَا وَلَا يَذْكُرُ الْمَوْتَ. وَقِيلَ: أَيْ يَعْزِمُ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَبَدًا وَإِنْ كَانَ لَا يَعِيشُ إِلَّا مُدَّةً قَلِيلَةً. فَالْهَاءُ عَلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ لِلْإِنْسَانِ. وَقِيلَ: الْهَاءُ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْمَعْنَى بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسَانُ لِيَكْفُرَ بِالْحَقِّ بَيْنَ يَدَيْ يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَالْفُجُورُ أَصْلُهُ الْمَيْلُ عَنِ الْحَقِّ. (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) أَيْ مَتَى يَوْمُ الْقِيَامَةِ.

[سورة القيامة (٧٥): الآيات ٧ الى ١٣]

فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ (٧) وَخَسَفَ الْقَمَرُ (٨) وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ (٩) يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ (١٠) كَلاَّ لا وَزَرَ (١١)

إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ (١٢) يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ (١٣)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ) قَرَأَ نَافِعٌ وَأَبَانٌ عَنْ عَاصِمٍ (بَرَقَ) بِفَتْحِ الرَّاءِ، مَعْنَاهُ: لَمَعَ بَصَرُهُ مِنْ شِدَّةِ شُخُوصِهِ، فَتَرَاهُ لَا يَطْرِفُ. قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُهُ: هَذَا عِنْدَ الْمَوْتِ. وَقَالَ الْحَسَنُ:


(١). النقب: قرحة تخرج في الجنب. والجرب والدبر: قرحة الدابة والبعير.