للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تَتَّخِذُوا الْمُشْرِكِينَ وَالْمُنَافِقِينَ أولياء، بدليل قولهم:" إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ" «١»] البقرة: ١٤] وَالْمُشْرِكُونَ كُلُّهُمْ كُفَّارٌ، لَكِنْ يُطْلَقُ فِي الْغَالِبِ لَفْظُ الْكُفَّارِ عَلَى الْمُشْرِكِينَ، فَلِهَذَا فَصَلَ ذِكْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْكَافِرِينَ. الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادٍ: هَذِهِ الْآيَةُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:" لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ"] المائدة: ٥١]، و" لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ" «٢»] آل عمران: ١١٨] تَضَمَّنَتِ الْمَنْعَ مِنْ التَّأْيِيدِ وَالِانْتِصَارِ بِالْمُشْرِكِينَ وَنَحْوَ ذَلِكَ. وَرَوَى جَابِرٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى أُحُدٍ جَاءَهُ قَوْمٌ مِنَ الْيَهُودِ فَقَالُوا: نَسِيرُ مَعَكَ، فَقَالَ] عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ [«٣»: (إِنَّا لَا نَسْتَعِينُ عَلَى أَمْرِنَا بِالْمُشْرِكِينَ) وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ. وَأَبُو حَنِيفَةَ جَوَّزَ الِانْتِصَارَ بِهِمْ عَلَى الْمُشْرِكِينَ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى يَدُلُّ عَلَى خِلَافِ مَا قَالُوهُ مَعَ مَا جَاءَ من السنة ذلك. والله أعلم.

[[سورة المائدة (٥): آية ٥٨]]

وَإِذا نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوها هُزُواً وَلَعِباً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (٥٨)

فِيهِ اثْنَتَا عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَقَامَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى الصَّلَاةِ قَالَتِ الْيَهُودُ: قَدْ قَامُوا لَا قَامُوا، وَكَانُوا يَضْحَكُونَ إِذَا رَكَعَ الْمُسْلِمُونَ وَسَجَدُوا وَقَالُوا فِي حَقِّ الْأَذَانِ: لَقَدِ ابْتَدَعْتَ شَيْئًا لَمْ نَسْمَعْ بِهِ فِيمَا مَضَى مِنَ الْأُمَمِ، فَمِنْ أَيْنَ لَكَ صِيَاحٌ مِثْلُ صِيَاحِ الْعِيرِ؟ فَمَا أَقْبَحَهُ مِنْ صَوْتٍ، وَمَا أَسْمَجَهُ مِنْ أَمْرٍ. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ لِلصَّلَاةِ تَضَاحَكُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَتَغَامَزُوا عَلَى طَرِيقِ السُّخْفِ وَالْمُجُونِ، تَجْهِيلًا لِأَهْلِهَا، وَتَنْفِيرًا لِلنَّاسِ عَنْهَا وَعَنِ الدَّاعِي إِلَيْهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْمُنَادِيَ إِلَيْهَا بِمَنْزِلَةِ اللَّاعِبِ الْهَازِئِ بِفِعْلِهَا، جَهْلًا مِنْهُمْ بِمَنْزِلَتِهَا، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، وَنَزَلَ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً" «٤»] فصلت: ٣٣] والنداء الدعاء برفع الصوت، وفد يُضَمُّ مِثْلَ الدُّعَاءِ وَالرُّغَاءِ. وَنَادَاهُ مُنَادَاةً وَنِدَاءً أي صاح به. وتنادوا أي نادى


(١). راجع ج ١ ص ٢٠٦.
(٢). راجع ج ٤ ص ١٧٨.
(٣). من ج وع.
(٤). راجع ج ١٥ ص ٣٥٩.