قُلْتُ: فَوُقِفَ عَنِ التَّعْيِينِ لِاضْطِرَابِ الْأَثَرِ وَالتَّفْصِيلِ، وَاللَّهُ بِحَقَائِقِ الْأُمُورِ عَلِيمٌ. ثُمَّ قِيلَ: الْأَعْرَافُ جَمْعُ عُرْفٍ وَهُوَ كُلُّ عَالٍ مُرْتَفِعٍ، لِأَنَّهُ بِظُهُورِهِ أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْخَفِضِ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الأعراف شر ف الصِّرَاطِ. وَقِيلَ: هُوَ جَبَلُ أُحُدٍ يُوضَعُ هُنَاكَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَكَرَ الزَّهْرَاوِيُّ حَدِيثًا أَنَّ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (إِنَّ أُحُدًا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَإِنَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَمْثُلُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ يُحْبَسُ عَلَيْهِ أَقْوَامٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ هُمْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ (. وَذَكَرَ حَدِيثًا آخَرَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:) إِنَّ أُحُدًا عَلَى رُكْنٍ مِنْ أَرْكَانِ الْجَنَّةِ (. قُلْتُ: وَذَكَرَ أَبُو عُمَرَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:) أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى تُرْعَةٍ مِنْ تُرَعِ الْجَنَّةِ (. قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَنادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ) أَيْ نَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ. أَنْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَيْ قَالُوا لَهُمْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى سَلِمْتُمْ مِنَ الْعُقُوبَةِ. لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يطعمون أَيْ لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ، أَيْ لَمْ يَدْخُلُوهَا بَعْدُ." وَهُمْ يَطْمَعُونَ" عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ بِمَعْنَى وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَهَا. وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ فِي اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ طَمِعَ بِمَعْنَى عَلِمَ، ذَكَرَهُ النَّحَّاسُ. وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِمَا، أَنَّ الْمُرَادَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ. وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: هُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ، أَيْ قَالَ لَهُمْ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَمْ يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بَعْدُ وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا لِلْمُؤْمِنِينَ الْمَارِّينَ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ. وَالْوَقْفُ عَلَى قَوْلِهِ:" سَلامٌ عَلَيْكُمْ". وَعَلَى قَوْلِهِ:" لَمْ يَدْخُلُوها". ثُمَّ يَبْتَدِئُ" وَهُمْ يَطْمَعُونَ" عَلَى مَعْنَى وَهُمْ يَطْمَعُونَ فِي دُخُولِهَا. وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ" وَهُمْ يَطْمَعُونَ" حَالًا، وَيَكُونُ الْمَعْنَى: لَمْ يَدْخُلْهَا الْمُؤْمِنُونَ الْمَارُّونَ عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ طَامِعِينَ، وَإِنَّمَا دَخَلُوهَا غَيْرَ طَامِعِينَ فِي دُخُولِهَا، فَلَا يوقف على" لَمْ يَدْخُلُوها".
[[سورة الأعراف (٧): آية ٤٧]]
وَإِذا صُرِفَتْ أَبْصارُهُمْ تِلْقاءَ أَصْحابِ النَّارِ قالُوا رَبَّنا لَا تَجْعَلْنا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (٤٧)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute