للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[سورة طه (٢٠): الآيات ١١٣ الى ١١٤]

وَكَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً (١١٣) فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً (١١٤)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَكَذلِكَ) أَيْ كَمَا بَيَّنَّا لَكَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ مِنَ البيان ف (- كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا) ٢٠: ١١٣ أَيْ بِلُغَةِ الْعَرَبِ. (وَصَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ) ٢٠: ١١٣ أَيْ بَيَّنَّا مَا فِيهِ مِنَ التَّخْوِيفِ وَالتَّهْدِيدِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ. (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أَيْ يَخَافُونَ اللَّهَ فَيَجْتَنِبُونَ مَعَاصِيَهِ، وَيَحْذَرُونَ عِقَابَهُ. (أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً) ٢٠: ١١٣ أَيْ مَوْعِظَةً. وَقَالَ قَتَادَةُ: حَذَرًا وَوَرَعًا. وَقِيلَ: شَرَفًا، فَالذِّكْرُ هَاهُنَا بِمَعْنَى الشرف، كقوله:" وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ" «١» [الزخرف ٤٤]. وَقِيلَ: أَيْ لِيَتَذَكَّرُوا الْعَذَابَ الَّذِي تُوُعِّدُوا بِهِ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ:" أَوْ نُحْدِثُ" بِالنُّونِ، وَرُوِيَ عَنْهُ رَفْعُ الثَّاءِ وَجَزْمُهَا. قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ) ٢٠: ١١٤ لَمَّا عَرَفَ الْعِبَادُ عَظِيمَ نِعَمِهِ، وَإِنْزَالَ الْقُرْآنِ نَزَّهَ نَفْسَهُ عَنِ الْأَوْلَادِ وَالْأَنْدَادِ فَقَالَ:" فَتَعالَى اللَّهُ" أَيْ جَلَّ اللَّهُ (الْمَلِكُ الْحَقُّ) ٢٠: ١١٤، أَيْ ذُو الْحَقِّ. (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ) ٢٠: ١١٤ عَلَّمَ نَبِيَّهُ كَيْفَ يَتَلَقَّى الْقُرْآنَ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يُبَادِرُ جِبْرِيلَ فَيَقْرَأُ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ جِبْرِيلُ مِنَ الْوَحْيِ حِرْصًا عَلَى الْحِفْظِ، وَشَفَقَةً عَلَى الْقُرْآنِ مَخَافَةَ النِّسْيَانِ، فَنَهَاهُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَأَنْزَلَ:" وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ ٢٠: ١١٤". وهذا كقوله تَعَالَى:" لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ

" «٢» [القيامة: ١٦] عَلَى مَا يَأْتِي. وَرَوَى ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: لَا تَتْلُهُ قَبْلَ أَنْ تَتَبَيَّنَهُ. وَقِيلَ:" وَلا تَعْجَلْ ٢٠: ١١٤" أَيْ لَا تَسَلْ إنزاله" مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ ٢٠: ١١٤" أَيْ يَأْتِيَكَ" وَحْيُهُ". وَقِيلَ: الْمَعْنَى لَا تُلْقِهِ إِلَى النَّاسِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكَ بَيَانُ تَأْوِيلِهِ. وقال الْحَسَنُ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ لَطَمَ وَجْهَ امْرَأَتِهِ، فَجَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَطْلُبُ الْقِصَاصَ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا الْقِصَاصَ فَنَزَلَ" الرِّجالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّساءِ" «٣» [النِّسَاءِ ٣٤] وَلِهَذَا قَالَ:" وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً ٢٠: ١١٤" أَيْ فَهْمًا، لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ حَكَمَ بِالْقِصَاصِ وَأَبَى اللَّهُ ذَلِكَ. وَقَرَأَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَغَيْرُهُ:" مِنْ قَبْلِ أَنْ نَقْضِيَ" بِالنُّونِ وَكَسْرِ الضَّادِ" وحيه" بالنصب.


(١). راجع ج ١٦ ص ٩٣.
(٢). راجع ج ١٩ ص ١٠٤.
(٣). راجع ج ٥ ص ١٦٨.