للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: قَدْ جَاءَ بِذَلِكَ خَبَرٌ رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" قَالَ: (دَوَابُّ الْأَرْضِ). أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ أَنْبَأَنَا عَمَّارُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ زَاذَانَ عَنِ الْبَرَاءِ، إِسْنَادٌ حَسَنٌ. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ جُمِعَ مَنْ لَا يَعْقِلُ جَمْعَ مَنْ يَعْقِلُ؟. قِيلَ: لِأَنَّهُ أُسْنِدَ إِلَيْهِمْ فِعْلُ مَنْ يَعْقِلُ، كَمَا قَالَ:" رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ «١» " وَلَمْ يَقُلْ سَاجِدَاتٍ، وَقَدْ قَالَ:" لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا «٢» "، وَقَالَ:" وَتَراهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ «٣» "، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ:" اللَّاعِنُونَ" كُلُّ الْمَخْلُوقَاتِ مَا عَدَا الثَّقَلَيْنِ: الْجِنِّ وَالْإِنْسِ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْكَافِرُ إِذَا ضُرِبَ فِي قَبْرِهِ فَصَاحَ سَمِعَهُ الْكُلُّ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ وَلَعَنَهُ كُلُّ سَامِعٍ). وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَالسُّدِّيُّ: (هُوَ الرَّجُلُ يَلْعَنُ صَاحِبَهُ فَتَرْتَفِعُ اللَّعْنَةُ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ تَنْحَدِرُ فَلَا تَجِدُ صَاحِبَهَا الَّذِي قِيلَتْ فِيهِ أَهْلًا لِذَلِكَ، فَتَرْجِعُ إِلَى الَّذِي تَكَلَّمَ بِهَا فَلَا تَجِدُهُ أَهْلًا فَتَنْطَلِقُ فَتَقَعُ عَلَى الْيَهُودِ الَّذِينَ كَتَمُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى، فَهُوَ قَوْلُهُ:" وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ" فَمَنْ مَاتَ مِنْهُمُ ارْتَفَعَتِ اللَّعْنَةُ عَنْهُ فَكَانَتْ فِيمَنْ بَقِيَ مِنَ اليهود.

[[سورة البقرة (٢): آية ١٦٠]]

إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٦٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" إِلَّا الَّذِينَ تابُوا" اسْتَثْنَى تَعَالَى التَّائِبِينَ الصَّالِحِينَ لِأَعْمَالِهِمْ وَأَقْوَالِهِمُ الْمُنِيبِينَ لِتَوْبَتِهِمْ. وَلَا يَكْفِي فِي التَّوْبَةِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا قَوْلُ الْقَائِلِ: قَدْ تُبْتُ، حَتَّى يَظْهَرَ مِنْهُ فِي الثَّانِي خِلَافُ الْأَوَّلِ، فَإِنْ كَانَ مُرْتَدًّا رَجَعَ إِلَى الْإِسْلَامِ مُظْهِرًا شَرَائِعَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْمَعَاصِي ظَهَرَ مِنْهُ الْعَمَلُ الصَّالِحُ، وَجَانَبَ أَهْلَ الْفَسَادِ وَالْأَحْوَالَ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْأَوْثَانِ جَانَبَهُمْ وَخَالَطَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهَكَذَا يَظْهَرُ عَكْسَ مَا كَانَ عَلَيْهِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّوْبَةِ وَأَحْكَامُهَا فِي" النِّسَاءِ «٤» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ بعض العلماء في قوله:


(١). راجع ج ٩ ص ١٢٢.
(٢). راجع ج ١٥ ص ٣٥٠.
(٣). راجع ج ٧ ص ٣٤٤.
(٤). راجع ج ٥ ص ٩١.