للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَالَّذِينَ كَفَرُوا" أَيْ أَشْرَكُوا، لِقَوْلِهِ: (وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ" الصُّحْبَةُ: الِاقْتِرَانُ بِالشَّيْءِ فِي حَالَةٍ مَّا فِي زمان ما فان كانت الملازمة والخلطة فهو كَمَالُ الصُّحْبَةِ وَهَكَذَا هِيَ صُحْبَةُ أَهْلِ النَّارِ لَهَا. وَبِهَذَا الْقَوْلِ يَنْفَكُّ الْخِلَافُ فِي تَسْمِيَةِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ إِذْ مَرَاتِبُهُمْ مُتَبَايِنَةٌ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ فِي" بَرَاءَةَ" «١» إِنْ شَاءَ اللَّهُ. وَبَاقِي أَلْفَاظِ الْآيَةِ تَقَدَّمَ مَعْنَاهَا وَالْحَمْدُ لله.

[[سورة البقرة (٢): آية ٤٠]]

يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (٤٠)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا بَنِي إِسْرائِيلَ) نِدَاءٌ مُضَافٌ عَلَامَةُ النَّصْبِ فِيهِ الْيَاءُ وَحُذِفَتْ مِنْهُ النُّونُ لِلْإِضَافَةِ. الْوَاحِدُ ابْنُ وَالْأَصْلُ فِيهِ بَنِي وَقِيلَ: بَنُو فَمَنْ قَالَ: الْمَحْذُوفُ مِنْهُ وَاوٌ احْتَجَّ بِقَوْلِهِمُ: الْبُنُوَّةُ. وَهَذَا لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُمْ قَدْ قَالُوا: الْفُتُوَّةُ وَأَصْلُهُ الْيَاءُ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْمَحْذُوفُ مِنْهُ عِنْدِي يَاءٌ كَأَنَّهُ مِنْ بَنَيْتُ. الْأَخْفَشُ: اخْتَارَ أَنْ يَكُونَ الْمَحْذُوفُ مِنْهُ الْوَاوَ لِأَنَّ حَذْفَهَا أَكْثَرُ لِثِقَلِهَا. وَيُقَالُ: ابْنٌ بَيِّنُ الْبُنُوَّةِ وَالتَّصْغِيرُ بُنَيٌّ. قَالَ الْفَرَّاءُ: يُقَالُ: يَا بُنَيِّ وَيَا بُنَيَّ لُغَتَانِ مِثْلَ يَا أَبَتِ ويا أبت وقرى بِهِمَا. وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْبِنَاءِ وَهُوَ وَضْعُ الشَّيْءِ عَلَى الشَّيْءِ وَالِابْنُ فَرْعٌ لِلْأَبِ وَهُوَ مَوْضُوعٌ عَلَيْهِ. وَإِسْرَائِيلُ هُوَ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ. قَالَ أَبُو الْفَرَجِ الْجَوْزِيُّ: وَلَيْسَ فِي الْأَنْبِيَاءِ مَنْ لَهُ اسْمَانِ غَيْرُهُ إِلَّا نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ لَهُ أَسْمَاءً كَثِيرَةً. ذَكَرَهُ فِي كتاب" الْآثَارِ" لَهُ. قُلْتُ: وَقَدْ قِيلَ فِي الْمَسِيحِ إِنَّهُ اسْمُ عَلَمٍ لِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ رُوحًا وَكَلِمَةً، وَكَانُوا يُسَمُّونَهُ أَبِيلَ الْأَبِيلِينَ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ. وَذَكَرَ الْبَيْهَقِيُّ فِي" دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ" عَنِ الْخَلِيلِ بْنِ أَحْمَدَ: خَمْسَةٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ذَوُو اسْمَيْنِ مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعِيسَى وَالْمَسِيحُ وَإِسْرَائِيلُ وَيَعْقُوبُ وَيُونُسُ وَذُو النُّونِ وَإِلْيَاسُ وَذُو الْكِفْلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَسَلَّمَ


(١). راجع ج ٨ ص ١٤٨