للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَسْأَلُكَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ:" مَا عِنْدَنَا الْيَوْمَ شي". قَالَ: فَتَقُولُ لَكَ اكْسُنِي قَمِيصَكَ، فَخَلَعَ قَمِيصَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ وَجَلَسَ فِي الْبَيْتِ عُرْيَانًا. وَفِي رِوَايَةِ جَابِرٍ: فَأَذَّنَ بِلَالٌ لِلصَّلَاةِ وَانْتَظَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ، وَاشْتَغَلَتِ الْقُلُوبُ، فَدَخَلَ بَعْضُهُمْ فَإِذَا هُوَ عَارٍ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَكُلُّ هَذَا فِي إِنْفَاقِ الْخَيْرِ. وَأَمَّا إِنْفَاقُ الْفَسَادِ فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ، كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّالِثَةُ- نَهَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَنِ اسْتِفْرَاغِ الْوُجْدِ «١» فِيمَا يَطْرَأُ أَوَّلًا مِنْ سُؤَالِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا يَبْقَى مَنْ يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ لَا شي لَهُ، أَوْ لِئَلَّا يُضَيِّعَ الْمُنْفِقُ عِيَالَهُ. وَنَحْوُهُ مِنْ كَلَامِ الْحِكْمَةِ: مَا رَأَيْتُ قَطُّ سَرَفًا إِلَّا وَمَعَهُ حَقٌّ مُضَيَّعٌ. وَهَذِهِ مِنْ آيَاتِ فِقْهِ الْحَالِ فَلَا يُبَيَّنُ حُكْمُهَا إِلَّا بِاعْتِبَارِ شَخْصٍ شَخْصٍ مِنَ النَّاسِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً) قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: يَقُولُ لَا تُسْرِفْ وَلَا تُتْلِفْ مَالَكَ فَتَبْقَى مَحْسُورًا مُنْقَطِعًا عَنِ النَّفَقَةِ وَالتَّصَرُّفِ، كَمَا يَكُونُ الْبَعِيرُ الْحَسِيرُ، وَهُوَ الَّذِي ذَهَبَتْ قُوَّتُهُ فَلَا انْبِعَاثَ بِهِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ «٢» " أَيْ كَلِيلٌ مُنْقَطِعٌ. وَقَالَ قَتَادَةُ: أَيْ نَادِمًا عَلَى مَا سَلَفَ مِنْكَ، فَجَعَلَهُ مِنَ الْحَسْرَةِ، وَفِيهِ بُعْدٌ، لِأَنَّ الْفَاعِلَ مِنَ الْحَسْرَةِ حَسِرٌ وَحَسْرَانُ وَلَا يُقَالُ مَحْسُورٌ. وَالْمَلُومُ: الَّذِي يُلَامُ عَلَى إِتْلَافِ مَالِهِ، أَوْ يلومه من لا يعطيه.

[[سورة الإسراء (١٧): آية ٣٠]]

إِنَّ رَبَّكَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشاءُ وَيَقْدِرُ إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً (٣٠)

«٣»


(١). الوجد (مثلثة الواو): اليسار والسعة.
(٢). راجع ج ١٨ ص ٢٠٩.
(٣). هذا الآية لم يتكلم عليها المؤلف ولم تذكر في النسخ التي بين أيدينا ولعله تكلم عليها وحصل سقط من النساخ. وعبارة ابن جرير الطبري في كلامه على الآية كما وردت في تفسيره:" يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إن ربك يا محمد يبسط الرزقه لمن يشاء من عباده فيوسع عليه. ويقدر على من يشاء.، ويقول: ويقتر على من يشاء منهم فيضيق عليه:" إِنَّهُ كانَ بِعِبادِهِ خَبِيراً" يقول: إن ربك ذو خبرة بعباده، ومن الذي تصلحه السعة في الرزق وتفسده، ومن الذي يصلحه الإقتار والضيق ويهلكه." بَصِيراً" يقول هو ذو بصر بتدبيرهم وسياستهم. ويقول: فانه يا محمد إلى أمرنا فيما أمرناك ونهيناك من بسط يدك فيما تبسطها فيه وفيمن تبسطها له، ومن كفها عمن تكفها عنه وتكفيها فيه، فنحن أعلم بصالح العباد منك ومن جميع الخلق وأبصر بتدبيرهم".