للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَيْ هُوَ مُسْتَمِعُ خَيْرٍ لَا مُسْتَمِعُ شَرٍّ، أَيْ هُوَ مُسْتَمِعُ مَا يُحِبُّ «١» اسْتِمَاعَهُ، وَهُوَ رَحْمَةٌ. وَمَنْ خَفَضَ فَعَلَى الْعَطْفِ عَلَى" خَيْرٍ". قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ قَدْ تَبَاعَدَ مَا بَيْنَ الِاسْمَيْنِ، وَهَذَا يُقَبَّحُ فِي الْمَخْفُوضِ. الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ جَرَّ الرَّحْمَةَ فَعَلَى الْعَطْفِ عَلَى" خَيْرٍ" وَالْمَعْنَى مُسْتَمِعُ خَيْرٍ وَمُسْتَمِعُ رَحْمَةٍ، لِأَنَّ الرَّحْمَةَ مِنَ الْخَيْرِ. وَلَا يَصِحُّ عَطْفُ الرَّحْمَةِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى يُصَدِّقُ بِاللَّهِ وَيُصَدِّقُ الْمُؤْمِنِينَ، فَاللَّامُ زَائِدَةٌ فِي قول الكوفيين. ومثله" لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ"»

[الأعراف: ١٥٤] أَيْ يَرْهَبُونَ رَبَّهُمْ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ: كَقَوْلِهِ" رَدِفَ لَكُمْ" «٣» [النمل: ٧٢] وَهِيَ عِنْدَ الْمُبَرِّدِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَصْدَرٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ، التَّقْدِيرُ: إِيمَانُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ، أَيْ تَصْدِيقُهُ لِلْمُؤْمِنِينَ لَا لِلْكُفَّارِ. أَوْ يَكُونُ مَحْمُولًا عَلَى الْمَعْنَى، فَإِنَّ مَعْنَى يُؤْمِنُ يُصَدِّقُ، فَعُدِّيَ بِاللَّامِ كَمَا عُدِّيَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ" «٤» [المائدة: ٤٦].

[[سورة التوبة (٩): آية ٦٢]]

يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كانُوا مُؤْمِنِينَ (٦٢)

فِيهِ ثَلَاثُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- رُوِيَ أَنَّ قَوْمًا مِنَ الْمُنَافِقِينَ اجتمعوا، فيهم الجلاس بن سويد ووديعة ابن ثَابِتٍ، وَفِيهِمْ غُلَامٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يُدْعَى عَامِرُ بْنُ قَيْسٍ، فَحَقَّرُوهُ فَتَكَلَّمُوا وَقَالُوا: إِنْ كَانَ مَا يَقُولُ مُحَمَّدٌ حَقًّا لَنَحْنُ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ. فَغَضِبَ الْغُلَامُ وَقَالَ: وَاللَّهِ إِنَّ مَا يَقُولُ حَقٌّ وَأَنْتُمْ شَرٌّ مِنَ الْحَمِيرِ، فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِمْ، فَحَلَفُوا أَنَّ عَامِرًا كَاذِبٌ، فَقَالَ عَامِرٌ: هُمُ الْكَذَبَةُ، وَحَلَفَ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ: اللَّهُمَّ لَا تُفَرِّقْ بَيْنَنَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ صِدْقُ الصَّادِقِ وَكَذِبُ الْكَاذِبِ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَفِيهَا" يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ". الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ أَنَّ التَّقْدِيرَ: وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ، ثُمَّ حَذَفَ، كَمَا قَالَ [بَعْضُهُمْ «٥»]:

نَحْنُ بِمَا عِنْدَنَا وَأَنْتَ بِمَا ... عِنْدَكَ رَاضٍ والرأي مختلف


(١). في ب وهـ: يجب.
(٢). راجع ج ٧ ص ٢٩٢.
(٣). راجع ج ١٣ ص ٢٣٠.
(٤). راجع ج ٢ ص ٣٦.
(٥). من ج.