للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَداءَ لِلَّهِ" «١»] النساء: ١٣٥]. وَأَمَّا مَا فِي السُّنَّةِ فَحَدِيثُ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: مُرَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيٍّ قَدْ جُلِدَ وَحُمِّمَ فَقَالَ: (أَهَكَذَا حَدُّ الزَّانِي عِنْدَكُمْ) فَقَالُوا: نَعَمْ. فدعا رجلا من علمائهم فقال: (سألت بِاللَّهِ أَهَكَذَا حَدُّ الزَّانِي فِيكُمْ) فَقَالَ: لَا. الْحَدِيثَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. قَالَ النَّحَّاسُ: فَاحْتَجُّوا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَكَمَ بَيْنَهُمْ وَلَمْ يَتَحَاكَمُوا إِلَيْهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَفِي حَدِيثِ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الْيَهُودَ أَتَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قِيلَ لَهُ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ مَالِكٍ أَيْضًا أَنَّ اللَّذَيْنِ زَنَيَا رَضِيَا بِالْحُكْمِ وَقَدْ رَجَمَهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. قَالَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَوْ تَدَبَّرَ مَنِ احْتَجَّ بِحَدِيثِ الْبَرَاءِ لَمْ يَحْتَجَّ، لِأَنَّ فِي دَرْجِ الْحَدِيثِ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:" إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا"] المائدة: ٤١] يَقُولُ: إِنْ أَفْتَاكُمْ بِالْجَلْدِ وَالتَّحْمِيمِ فَخُذُوهُ، وَإِنْ أَفْتَاكُمْ بِالرَّجْمِ فَاحْذَرُوا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ حَكَّمُوهُ. وَذَلِكَ بَيِّنٌ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ. فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: لَيْسَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ الزَّانِيَيْنِ حَكَّمَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا رَضِيَا بِحُكْمِهِ. قِيلَ لَهُ: حَدُّ الزَّانِي حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الْحَاكِمِ إِقَامَتُهُ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْيَهُودَ كَانَ لَهُمْ حَاكِمٌ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، وَيُقِيمُ حُدُودَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ الَّذِي حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ) رَوَى النَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ كَانَ قُرَيْظَةُ وَالنَّضِيرُ، وَكَانَ النَّضِيرُ أَشْرَفَ مِنْ قُرَيْظَةَ، وَكَانَ إِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْظَةَ رَجُلًا مِنَ النَّضِيرِ قُتِلَ بِهِ، وَإِذَا قَتَلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ وَدَى مِائَةَ وَسْقٍ «٢» مِنْ تَمْرٍ، فَلَمَّا بُعِثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَتْلَ رَجُلٌ مِنَ النَّضِيرِ رَجُلًا مِنْ قُرَيْظَةَ فَقَالُوا: ادْفَعُوهُ إِلَيْنَا لِنَقْتُلَهُ، فَقَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَزَلَتْ:" وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ" النَّفْسُ بالنفس، ونزلت:" أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ"] المائدة: ٥٠].

[[سورة المائدة (٥): آية ٤٣]]

وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْراةُ فِيها حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (٤٣)


(١). راجع ج ٥ ص ٤١٠. [ ..... ]
(٢). الوسق: ستون صاعا.