للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَعَثْنَا رَبِيئًا قَبْلَ ذَاكَ مُخَمَّلًا ... كَذِئْبِ الْغَضَا يَمْشِي الضَّرَّاءَ وَيَتَّقِي «١»

(وَأَنْبَتَتْ) أَيْ أَخْرَجَتْ. (مِنْ كُلِّ زَوْجٍ) أَيْ لَوْنٍ. (بَهِيجٍ) أَيْ حَسَنٍ، عَنْ قَتَادَةَ. أَيْ يُبْهِجُ مَنْ يَرَاهُ. وَالْبَهْجَةُ الْحُسْنُ، يُقَالُ: رَجُلٌ ذُو بَهْجَةٍ. وَقَدْ بَهُجَ (بِالضَّمِّ) بَهَاجَةً وَبَهْجَةً فَهُوَ بَهِيجٌ. وَأَبْهَجَنِي أَعْجَبَنِي بِحُسْنِهِ. وَلَمَّا وَصَفَ الْأَرْضَ بِالْإِنْبَاتِ دَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ:" اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ" يَرْجِعُ إِلَى الْأَرْضِ لا إلى النبات. والله أعلم.

[سورة الحج (٢٢): الآيات ٦ الى ٧]

ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ (٧)

قَوْلُهُ تَعَالَى:" ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ" لَمَّا ذَكَرَ افْتِقَارَ الْمَوْجُودَاتِ إِلَيْهِ وَتَسْخِيرَهَا عَلَى وَفْقِ اقْتِدَارِهِ وَاخْتِيَارِهِ في قول:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ"- إِلَى قَوْلِهِ-" بَهِيجٍ". قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ:" ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (٦) وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ". فَنَبَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِهَذَا عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا سِوَاهُ وَإِنْ كَانَ مَوْجُودًا حَقًّا فَإِنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ، لِأَنَّهُ مُسَخَّرٌ مُصَرَّفٌ. وَالْحَقُّ الْحَقِيقِيُّ: هُوَ الْمَوْجُودُ الْمُطْلَقُ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ، وَأَنَّ وُجُودَ كُلِّ ذِي وُجُودٍ عَنْ وُجُوبِ وُجُودِهِ، وَلِهَذَا قَالَ فِي آخِرِ السُّورَةِ:" وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْباطِلُ" «٢» [الحج: ٦٢]. وَالْحَقُّ الْمَوْجُودُ الثَّابِتُ الَّذِي لَا يَتَغَيَّرُ وَلَا يَزُولُ، وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: ذُو الْحَقِّ عَلَى عِبَادِهِ. وَقِيلَ: الْحَقُّ «٣» بِمَعْنَى فِي أَفْعَالِهِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ:" ذلِكَ" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيِ الْأَمْرُ مَا وُصِفَ لَكُمْ وَبُيِّنَ. (بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ) أَيْ لِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ. وقال: ويجوز أن يكون


(١). المخمل: الذي يخمل نفسه، أي يسيرها ويخفيها لئلا يشعر به الصيد والغضى: الشجر، والعرب تقول: أخبث الذئاب ذئب الغضى، وإنما صار كذلك لأنه لا يباشر الناس إلا إذا أراد أن يغير. والضراء (بالفتح والمد): الشجر الملتف في الوادي يستر من دخل فيه. وفلان يمشى الضراء: إذا مشى مستخفيا فيما يواري من الشجر.
(٢). راجع ص ٩١ من هذا الجزء.
(٣). في ك: الحق في أفعاله. وفي ط:" وقيل الحق أي بمعنى كذا في أفعاله"