للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَكَانَتْ هَذِهِ السِّيرَةُ فِي الْأَنْصَارِ لَازِمَةً، وَكَانَتْ فِي قُرَيْشٍ مُبَاحَةً مَعَ التَّرَاضِي. أَلَا تَرَى أَنَّ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ خَلَفَ عَلَى امْرَأَةِ أَبِيهِ بَعْدَ مَوْتِهِ فَوَلَدَتْ لَهُ مُسَافِرًا وَأَبَا مُعَيْطٍ، وَكَانَ لَهَا مِنْ أُمَيَّةَ أَبُو الْعِيصِ وَغَيْرُهُ، فَكَانَ بَنُو أُمَيَّةَ إِخْوَةَ مُسَافِرٍ وَأَبِي مُعَيْطٍ وَأَعْمَامَهُمَا. وَمِنْ ذَلِكَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ تَزَوَّجَ بَعْدَ أَبِيهِ امْرَأَتَهُ فَاخِتَةَ بِنْتَ الْأَسْوَدِ بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ أَسَدٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ قُتِلَ عَنْهَا. وَمِنْ ذَلِكَ مَنْظُورُ بْنُ زَبَّانَ خَلَفَ عَلَى مُلَيْكَةَ بِنْتِ خَارِجَةَ، وَكَانَتْ تَحْتَ أَبِيهِ زَبَّانَ بْنِ سَيَّارٍ. وَمِنْ ذَلِكَ حِصْنُ بْنُ أَبِي قَيْسٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ كُبَيْشَةَ بِنْتَ مَعْنٍ. وَالْأَسْوَدُ بْنُ خَلَفٍ تَزَوَّجَ امْرَأَةَ أَبِيهِ. وَقَالَ الْأَشْعَثُ بْنُ سَوَّارٍ: تُوُفِّيَ أَبُو قَيْسٍ وَكَانَ مِنْ صَالِحِي الْأَنْصَارِ فَخَطَبَ ابْنُهُ قَيْسٌ امْرَأَةَ أَبِيهِ فَقَالَتْ: إِنِّي أَعُدُّكَ وَلَدًا، وَلَكِنِّي أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْتَأْمِرُهُ، فَأَتَتْهُ فَأَخْبَرَتْهُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ. وَقَدْ كَانَ فِي الْعَرَبِ مَنْ تَزَوَّجَ ابْنَتَهُ، وَهُوَ حَاجِبُ بْنُ زُرَارَةَ تَمَجَّسَ وَفَعَلَ هَذِهِ الْفَعْلَةَ، ذَكَرَ ذَلِكَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ فِي كِتَابِ الْمَثَالِبِ. فَنَهَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ آبَاؤُهُمْ مِنْ هَذِهِ السِّيرَةِ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) أَيْ تَقَدَّمَ وَمَضَى. وَالسَّلَفُ، مَنْ تَقَدَّمَ مِنْ آبَائِكَ وَذَوِي قَرَابَتِكَ. وَهَذَا اسْتِثْنَاءٌ مُنْقَطِعٌ، أَيْ لَكِنَّ مَا قَدْ سَلَفَ فَاجْتَنِبُوهُ وَدَعُوهُ. وَقِيلَ: (إِلَّا) بِمَعْنَى بَعْدَ، أَيْ بَعْدَ مَا سَلَفَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: (لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) أَيْ بَعْدَ الْمَوْتَةِ «١» الْأُولَى. وَقِيلَ: (إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ) أَيْ وَلَا مَا سَلَفَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً «٢») يَعْنِي وَلَا خَطَأً. وَقِيلَ: فِي الْآيَةِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، مَعْنَاهُ: وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ. وَقِيلَ: فِي الْآيَةِ إِضْمَارٌ لِقَوْلِهِ (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) فَإِنَّكُمْ إِنْ فَعَلْتُمْ تُعَاقَبُونَ وَتُؤَاخَذُونَ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا) عَقَّبَ بِالذَّمِّ الْبَالِغِ الْمُتَتَابِعِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ فِعْلٌ انْتَهَى مِنَ الْقُبْحِ إِلَى الْغَايَةِ. قَالَ أَبُو الْعَبَّاسِ: سَأَلْتُ ابْنَ الْأَعْرَابِيِّ عَنْ نِكَاحِ الْمَقْتِ فَقَالَ: هُوَ أَنْ يَتَزَوَّجَ الرَّجُلُ امْرَأَةَ أَبِيهِ إذا طلقها أو مات


(١). راجع ج ١٦ ص ١٥٤.
(٢). راجع ص ٣١١ من هذا الجزء.