للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ الذِّمِّيَّ لَا يُعْطَى مِنْ زَكَاةِ الْأَمْوَالِ شَيْئًا، ثُمَّ ذَكَرَ جَمَاعَةً مِمَّنْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَذْكُرْ خِلَافًا. وَقَالَ الْمَهْدَوِيُّ: رُخِّصَ لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُعْطُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَرَابَاتِهِمْ مِنْ صَدَقَةِ الْفَرِيضَةِ لِهَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا مَرْدُودٌ بِالْإِجْمَاعِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُصْرَفُ إِلَيْهِمْ زَكَاةُ الْفِطْرِ. ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا ضَعِيفٌ لَا أَصْلَ لَهُ. وَدَلِيلُنَا أَنَّهَا صَدَقَةُ طُهْرَةٍ وَاجِبَةٍ فَلَا تُصْرَفُ إِلَى الْكَافِرِ كَصَدَقَةِ الْمَاشِيَةِ وَالْعَيْنِ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَغْنُوهُمْ عَنْ سُؤَالِ هَذَا الْيَوْمِ" يَعْنِي يَوْمَ الْفِطْرِ. قُلْتُ: وَذَلِكَ لِتَشَاغُلِهِمْ بِالْعِيدِ وَصَلَاةِ الْعِيدِ وَهَذَا لَا يَتَحَقَّقُ فِي الْمُشْرِكِينَ. وَقَدْ يَجُوزُ صَرْفُهَا إِلَى غَيْرِ الْمُسْلِمِ فِي قَوْلِ مَنْ جَعَلَهَا سُنَّةً، وَهُوَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدَنَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، نَظَرًا إِلَى عُمُومِ الْآيَةِ فِي الْبِرِّ وَإِطْعَامِ الطَّعَامِ وَإِطْلَاقِ الصَّدَقَاتِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا الْحُكْمُ مُتَصَوَّرٌ لِلْمُسْلِمِينَ مَعَ «١» أَهْلِ ذِمَّتِهِمْ وَمَعَ الْمُسْتَرَقِّينَ مِنَ الْحَرْبِيِّينَ. قُلْتُ: وَفِي التَّنْزِيلِ" وَيُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً «٢» " وَالْأَسِيرُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ إِلَّا مُشْرِكًا. وَقَالَ تَعَالَى:" لَا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ «٣» ". فَظَوَاهِرُ هَذِهِ الْآيَاتِ تَقْتَضِي جَوَازَ صَرْفِ الصَّدَقَاتِ إِلَيْهِمْ جُمْلَةً، إِلَّا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ مِنْهَا الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِمُعَاذٍ:" خُذِ الصَّدَقَةَ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَرُدَّهَا عَلَى فُقَرَائِهِمْ" وَاتَّفَقَ العلماء علن ذَلِكَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ. فَيُدْفَعُ إِلَيْهِمْ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ إِذَا احْتَاجُوا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: فَأَمَّا الْمُسْلِمُ الْعَاصِي فَلَا خِلَافَ أَنَّ صَدَقَةَ الْفِطْرِ تُصْرَفُ إِلَيْهِ إِلَّا إِذَا كَانَ يَتْرُكُ أَرْكَانَ الْإِسْلَامِ مِنَ الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَلَا تُدْفَعُ إِلَيْهِ الصَّدَقَةُ حَتَّى يَتُوبَ. وَسَائِرُ أَهْلِ الْمَعَاصِي تُصْرَفُ الصَّدَقَةُ إِلَى مُرْتَكِبِيهَا لِدُخُولِهِمْ فِي اسْمِ الْمُسْلِمِينَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّ رَجُلًا تَصَدَّقَ عَلَى غَنِيٍّ وَسَارِقٍ وَزَانِيَةٍ وَتُقُبِّلَتْ صَدَقَتُهُ، عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي آيَةِ الصَّدَقَاتِ «٤». الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) أَيْ يُرْشِدُ مَنْ يَشَاءُ. وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى الْقَدَرِيَّةِ وَطَوَائِفٍ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ، كما تقدم.


(١). في ابن عطية: متصور للمسلمين اليوم مع إلخ.
(٢). راجع ج ١٩ ص ١٢٥.
(٣). راجع ج ١٨ ص ٥٨.
(٤). راجع ج ٨ ص ١٦٧.