وَالنَّارُ وَالْمَاءُ وَالْمِلْحُ (. وَرَوَى عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ نَزَلَتْ مَعَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ وَكَانَ أَشَدَّ بَيَاضًا مِنَ الثَّلْجِ، وَعَصَا مُوسَى وَكَانَتْ مِنْ آسِ الْجَنَّةِ، طُولُهَا عَشَرَةُ أَذْرُعٍ مَعَ طُولِ مُوسَى، وَالْحَدِيدُ أُنْزِلَ مَعَهُ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ: السِّنْدَانُ وَالْكَلْبَتَانِ وَالْمِيقَعَةُ وَهِيَ الْمِطْرَقَةُ، ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ. وَقَالَ الثَّعْلَبِيُّ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَ آدَمُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَعَهُ مِنَ الْحَدِيدِ خَمْسَةُ أَشْيَاءَ مِنْ آلَةِ الْحَدَّادِينَ: السِّنْدَانُ، وَالْكَلْبَتَانِ، وَالْمِيقَعَةُ، وَالْمِطْرَقَةُ، وَالْإِبْرَةُ. وَحَكَاهُ الْقُشَيْرِيُّ قَالَ: وَالْمِيقَعَةُ مَا يُحَدَّدُ بِهِ، يُقَالُ وَقَعْتُ الْحَدِيدَةَ أَقَعُهَا أَيْ حَدَدْتُهَا. وَفِي الصِّحَاحِ: وَالْمِيقَعَةُ الْمَوْضِعُ الَّذِي يَأْلَفُهُ الْبَازِيُّ فَيَقَعُ عَلَيْهِ، وَخَشَبَةُ الْقَصَّارِ الَّتِي يُدَقُّ عَلَيْهَا، وَالْمِطْرَقَةُ وَالْمِسَنُّ الطَّوِيلُ. وَرُوِيَ أَنَّ الْحَدِيدَ أُنْزِلَ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ. (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) أَيْ لِإِهْرَاقِ الدِّمَاءِ. وَلِذَلِكَ نُهِىَ عَنِ الْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ، لِأَنَّهُ يَوْمٌ جَرَى فِيهِ الدَّمُ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (فِي يَوْمِ الثُّلَاثَاءِ سَاعَةٌ لَا يَرْقَأُ فِيهَا الدَّمُ). وَقِيلَ: (أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ) أَيْ أَنْشَأْنَاهُ وَخَلَقْنَاهُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ) «١» وَهَذَا قَوْلُ الْحَسَنِ. فَيَكُونُ مِنَ الْأَرْضِ غَيْرُ مُنَزَّلٍ مِنَ السَّمَاءِ. وَقَالَ أَهْلُ الْمَعَانِي: أَيْ أَخْرَجَ الْحَدِيدَ مِنَ الْمَعَادِنِ وَعَلَّمَهُمْ صَنْعَتَهُ بِوَحْيِهِ. (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) يَعْنِي السِّلَاحَ وَالْكُرَاعَ وَالْجُنَّةَ. وَقِيلَ: أَيْ فِيهِ مِنْ خَشْيَةِ الْقَتْلِ خَوْفٌ شَدِيدٌ. (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) قَالَ مُجَاهِدٌ: يَعْنِي جُنَّةً. وَقِيلَ: يَعْنِي انْتِفَاعَ النَّاسِ بِالْمَاعُونِ مِنَ الْحَدِيدِ، مِثْلَ السِّكِّينِ وَالْفَأْسِ وَالْإِبْرَةِ وَنَحْوِهِ (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) أَيْ أَنْزَلَ الْحَدِيدَ لِيَعْلَمَ مَنْ يَنْصُرُهُ. وَقِيلَ: هُوَ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ) أَيْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ، وَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ، لِيُتَعَامَلَ النَّاسُ بِالْحَقِّ، (وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ) وليرى الله من ينصر دينه (وَ) ينصر (رُسُلَهُ بِالْغَيْبِ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: يَنْصُرُونَهُمْ لَا يُكَذِّبُونَهُمْ، وَيُؤْمِنُونَ بِهِمْ (بِالْغَيْبِ) أَيْ وَهُمْ لَا يَرَوْنَهُمْ. (إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (قَوِيٌّ) فِي أَخْذِهِ (عَزِيزٌ) أَيْ مَنِيعٌ غَالِبٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وقيل: (بِالْغَيْبِ) بالإخلاص.
(١). راجع ج ١٥ ص ٢٣٥
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute