فِيهِ إِحْدَى عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ). [رُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ وَمُجَاهِدٍ وَالضَّحَّاكِ: أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ كَانَتْ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ، وَهَكَذَا رُوِيَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: جَمِيعُ الْقُرْآنِ نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هُوَ الَّذِي سَمِعَ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي قِصَّةِ الْمِعْرَاجِ، لِأَنَّ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ كَانَتْ بِمَكَّةَ وَهَذِهِ السُّورَةُ كُلُّهَا مَدَنِيَّةٌ، فَأَمَّا مَنْ قَالَ: إِنَّهَا كَانَتْ لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ قَالَ: لَمَّا صَعِدَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبلغ في السموات فِي مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ وَمَعَهُ جِبْرِيلُ حَتَّى جَاوَزَ سِدْرَةَ الْمُنْتَهَى فَقَالَ لَهُ جِبْرِيلُ: إِنِّي لَمْ أُجَاوِزْ هَذَا الْمَوْضِعَ وَلَمْ يُؤْمَرْ بِالْمُجَاوَزَةِ أَحَدٌ هَذَا الْمَوْضِعَ غَيْرُكَ فَجَاوَزَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ الْمَوْضِعَ الَّذِي شَاءَ اللَّهُ، فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ بِأَنْ سَلِّمْ عَلَى رَبِّكَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَكُونَ لِأُمَّتِهِ حَظٌّ فِي السَّلَامِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ واهل السموات كُلُّهُمْ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أن محمدا عبد هـ وَرَسُولُهُ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" آمَنَ الرَّسُولُ" عَلَى مَعْنَى الشُّكْرِ أَيْ صَدَّقَ الرَّسُولُ" بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ" فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُشَارِكَ أُمَّتَهُ فِي الْكَرَامَةِ وَالْفَضِيلَةِ فَقَالَ:" وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ" يَعْنِي يَقُولُونَ آمَنَّا بِجَمِيعِ الرُّسُلِ وَلَا نَكْفُرُ بِأَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَا نُفَرِّقُ بَيْنَهُمْ كَمَا فَرَّقَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، فَقَالَ لَهُ رَبُّهُ كَيْفَ قَبُولُهُمْ بِآيِ الَّذِي أَنْزَلْتُهَا؟ وَهُوَ قَوْلُهُ:" إِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ" فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" قالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" يَعْنِي الْمَرْجِعَ. فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها" يَعْنِي طَاقَتَهَا وَيُقَالُ: إِلَّا دُونَ طَاقَتِهَا." لَها مَا كَسَبَتْ" مِنَ الْخَيْرِ" وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ" مِنَ الشَّرِّ، فَقَالَ جِبْرِيلُ عِنْدَ ذَلِكَ: سَلْ تُعْطَهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا" يَعْنِي إِنْ جَهِلْنَا" أَوْ أَخْطَأْنا" يَعْنِي إِنْ تَعَمَّدْنَا، وَيُقَالُ: إِنْ عَمِلْنَا بِالنِّسْيَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute