للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَتَحَمَّلُوا عَنْهُ الدِّينَ وَيَتَفَقَّهُوا، فَإِذَا رَجَعَ النَّافِرُونَ إِلَيْهِمْ أَخْبَرُوهُمْ بِمَا سَمِعُوا وَعَلِمُوهُ. وَفِي هَذَا إِيجَابُ التَّفَقُّهِ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَأَنَّهُ عَلَى الْكِفَايَةِ دُونَ الْأَعْيَانِ. وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أيضا قوله تعالى:" فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ" «١» [النحل: ٤٣]. فَدَخَلَ فِي هَذَا مَنْ لَا يَعْلَمُ الْكِتَابَ والسنن. الثالثة- قوله تعالى:" فَلَوْلا نَفَرَ" قَالَ الْأَخْفَشُ: أَيْ فَهَلَّا نَفَرَ." مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ" الطَّائِفَةُ فِي اللُّغَةِ الْجَمَاعَةُ، وَقَدْ تَقَعُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى تَبْلُغَ الرَّجُلَيْنِ، وَلِلْوَاحِدِ عَلَى مَعْنَى نَفْسِ طَائِفَةٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:" إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً" «٢» [التوبة: ٦٦] رَجُلٌ وَاحِدٌ. وَلَا شَكَ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا جَمَاعَةٌ لِوَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا عَقْلًا، وَالْآخَرُ لُغَةً. أَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْعِلْمَ لَا يَتَحَصَّلُ بِوَاحِدٍ فِي الْغَالِبِ، وَأَمَّا اللُّغَةُ فَقَوْلُهُ:" لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ" فَجَاءَ بِضَمِيرِ الْجَمَاعَةِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَالشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ قَبْلَهُ يَرَوْنَ أَنَّ الطَّائِفَةَ هَاهُنَا وَاحِدٌ، وَيَعْتَضِدُونَ «٣» فِيهِ بِالدَّلِيلِ عَلَى وُجُوبِ الْعَمَلِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ صَحِيحٌ لَا مِنْ جِهَةِ أَنَّ الطَّائِفَةَ تَنْطَلِقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَلَكِنْ مِنْ جِهَةِ أَنَّ خَبَرَ الشَّخْصِ الْوَاحِدِ أَوِ الْأَشْخَاصِ خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَأَنَّ مُقَابِلَهُ وَهُوَ التَّوَاتُرُ لَا يَنْحَصِرُ. قُلْتُ: أَنَصَّ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى أَنَّ الْوَاحِدَ يُقَالُ لَهُ طَائِفَةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَإِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا" «٤» [الحجرات: ٩] يَعْنِي نَفْسَيْنِ. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ" «٥» [الحجرات: ١٠] فَجَاءَ بِلَفْظِ التَّثْنِيَةِ، وَالضَّمِيرُ فِي" اقْتَتَلُوا" وَإِنْ كَانَ ضَمِيرَ جَمَاعَةٍ فَأَقَلُّ الْجَمَاعَةِ اثْنَانِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ لِلْعُلَمَاءِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (لِيَتَفَقَّهُوا) الضَّمِيرُ فِي" لِيَتَفَقَّهُوا"،" وَلِيُنْذِرُوا" لِلْمُقِيمِينَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَهُ قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ. وَقَالَ الْحَسَنُ: هُمَا لِلْفِرْقَةِ النَّافِرَةِ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ. وَمَعْنَى" لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ" أَيْ يَتَبَصَّرُوا وَيَتَيَقَّنُوا بما يريهم الله من الظهور على


(١). راجع ج ١٠ ص ١٠٨. [ ..... ]
(٢). راجع ص ١٩٨ من هذا الجزء.
(٣). في الأصول: (ويقضون به على وجوب العمل) إلخ. والتصويب عن ابن العربي.
(٤). راجع ج ١٧ ص ٣١٥، ٣٢٢.
(٥). راجع ج ١٧ ص ٣١٥، ٣٢٢.