للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طَائِفَةٌ إِلَى أَنَّهُ يَبْدَأُ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ فَيَحْلِفُونَ وَيَبْرَءُونَ. رُوِيَ هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَالشَّعْبِيِّ وَالنَّخَعِيِّ، وَبِهِ قَالَ الثَّوْرِيُّ وَالْكُوفِيُّونَ، وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ شُعْبَةَ بْنِ عُبَيْدٍ عَنْ بَشِيرِ ابن يَسَارٍ، وَفِيهِ: فَبَدَأَ بِالْأَيْمَانِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِمْ وَهُمُ الْيَهُودُ. وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ رِجَالٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ وَبَدَأَ بِهِمْ: (أَيَحْلِفُ مِنْكُمْ خَمْسُونَ رَجُلًا). فَأَبَوْا، فَقَالَ لِلْأَنْصَارِ: (اسْتَحِقُّوا) فَقَالُوا: نَحْلِفُ عَلَى الْغَيْبِ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَجَعَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةً عَلَى يَهُودَ، لِأَنَّهُ وُجِدَ بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ) فَعُيِّنُوا «١». قَالُوا: وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ الْمَقْطُوعُ بِهِ فِي الدَّعَاوَى الَّذِي نَبَّهَ الشَّرْعُ عَلَى حِكْمَتِهِ بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ (لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَمْوَالِهِمْ وَلَكِنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ «٢» رَدَّ عَلَيْهِمْ أَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى فَقَالُوا: حَدِيثُ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ فِي تَبْدِيَةِ الْيَهُودِ وَهْمٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَقَالَ: وَلَمْ يُتَابَعْ سَعِيدٌ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِيمَا أَعْلَمُ، وَقَدْ أَسْنَدَ حَدِيثَ بَشِيرٍ عَنْ سَهْلٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدَأَ بِالْمُدَّعِينَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَابْنِ عُيَيْنَةَ وَحَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيِّ وَعِيسَى بْنِ حَمَّادٍ وَبِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ، فَهَؤُلَاءِ سَبْعَةٌ. وَإِنْ كَانَ أَرْسَلَهُ مَالِكٌ فَقَدْ وَصَلَهُ جَمَاعَةُ الْحُفَّاظِ، وَهُوَ أَصَحُّ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ عُبَيْدٍ. قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ الْأَصِيلِيُّ: فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَرَضَ بِخَبَرٍ وَاحِدٍ عَلَى خَبَرِ جَمَاعَةٍ، مَعَ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ عُبَيْدٍ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَوَدَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِائَةً مِنْ إِبِلِ الصَّدَقَةِ، وَالصَّدَقَةُ لَا تُعْطَى فِي الدِّيَاتِ وَلَا يُصَالَحُ بِهَا عَنْ غَيْرِ أَهْلِهَا، وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ مُرْسَلٌ فَلَا تُعَارَضُ بِهِ الْأَحَادِيثُ الصِّحَاحُ الْمُتَّصِلَةُ، وَأَجَابُوا عَنِ التَّمَسُّكِ بِالْأَصْلِ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لِحُرْمَةِ الدِّمَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: ثَبَتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَعَلَ الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَالْحُكْمُ بِظَاهِرِ ذَلِكَ يَجِبُ، إِلَّا أَنْ يَخُصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ أَوْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكما في شي مِنَ الْأَشْيَاءِ فَيُسْتَثْنَى مِنْ جُمْلَةِ هَذَا الْخَبَرِ. فَمِمَّا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ إِلْزَامُ الْقَاذِفِ حَدَّ الْمَقْذُوفِ إِذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ أَرْبَعَةُ شُهَدَاءَ يَشْهَدُونَ لَهُ عَلَى صِدْقِ مَا رُمِيَ بِهِ المقذوف وخص


(١). هذه الكلمة ساقطة في بعض النسخ.
(٢). كذا ورد هذا الحديث في بعض نسخ الأصل وصحيح مسلم. قال ابن الملك: إنما ذكر اليمين فقط لأنها هي الحجة في الدعوى آخرا وإلا فعلى المدعى إقامة البينة أولا.