وَأَنْشَدَ الْأَصْمَعِيُّ لِجَعْفَرٍ الصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
أُثَامِنُ بِالنَّفْسِ النَّفِيسَةِ رَبَّهَا ... وَلَيْسَ لَهَا فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ ثَمَنْ
بِهَا تُشْتَرَى الْجَنَّاتُ إِنْ أَنَا بِعْتُهَا ... بِشَيْءٍ سِوَاهَا إِنَّ ذَلِكُمُ غَبَنْ
لَئِنْ ذَهَبَتْ نَفْسِي بِدُنْيَا أَصَبْتُهَا ... لَقَدْ ذَهَبَتْ نَفْسِي وَقَدْ ذَهَبَ الثَّمَنْ
قَالَ الْحَسَنُ: وَمَرَّ أَعْرَابِيٌّ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ:" إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ" فَقَالَ: كَلَامُ مَنْ هَذَا؟ قَالَ: (كَلَامُ اللَّهِ) قَالَ: بَيْعٌ وَاللَّهِ مُرْبِحٌ لَا نُقِيلُهُ وَلَا نَسْتَقِيلُهُ. فَخَرَجَ إِلَى الْغَزْوِ وَاسْتُشْهِدَ. الرَّابِعَةُ- قَالَ الْعُلَمَاءُ: كَمَا اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْبَالِغِينَ الْمُكَلَّفِينَ كَذَلِكَ اشْتَرَى مِنَ الْأَطْفَالِ فَآلَمَهُمْ وَأَسْقَمَهُمْ، لِمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَمَا فِيهِ مِنَ الِاعْتِبَارِ لِلْبَالِغِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا يكونون عند شي أَكْثَرَ صَلَاحًا وَأَقَلَّ فَسَادًا مِنْهُمْ عِنْدَ أَلَمِ الْأَطْفَالِ، وَمَا يَحْصُلُ لِلْوَالِدَيْنِ الْكَافِلَيْنِ مِنَ الثَّوَابِ فِيمَا يَنَالُهُمْ مِنَ الْهَمِّ وَيَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْكَفَالَةِ. ثُمَّ هُوَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَوِّضُ هَؤُلَاءِ الْأَطْفَالَ عِوَضًا إِذَا صَارُوا إِلَيْهِ. وَنَظِيرُ هَذَا فِي الشَّاهِدِ أَنَّكَ تَكْتَرِي الْأَجِيرَ لِيَبْنِيَ وَيَنْقُلَ التُّرَابَ وَفِي كُلِّ ذَلِكَ لَهُ أَلَمٌ وَأَذًى، وَلَكِنَّ ذَلِكَ جَائِزٌ لِمَا فِي عَمَلِهِ مِنَ الْمَصْلَحَةِ وَلِمَا يَصِلُ إِلَيْهِ مِنَ الْأَجْرِ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) بَيَانٌ لِمَا يُقَاتِلُ لَهُ وَعَلَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ. (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) قَرَأَ النَّخَعِيُّ وَالْأَعْمَشُ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ بِتَقْدِيمِ الْمَفْعُولِ عَلَى الْفَاعِلِ، وَمِنْهُ قَوْلُ امرئ القيس:
فإن تقتلونا نقتلكم ...
أَيْ إِنْ تَقْتُلُوا بَعْضَنَا يَقْتُلْكُمْ بَعْضُنَا. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَقْدِيمِ الْفَاعِلِ عَلَى الْمَفْعُولِ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْراةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ) إِخْبَارٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ هَذَا كَانَ فِي هَذِهِ الْكُتُبِ، وَأَنَّ الْجِهَادَ وَمُقَاوَمَةَ الْأَعْدَاءِ أَصْلُهُ مِنْ عَهْدِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. و" وَعْداً" و" حَقًّا" مصدران مؤكدان.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute