للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالمَزَاوِيْرُ، وَيَعْتَاضُ عَنِ الفَاكِهَةِ بِالأشرِبَةِ وَالمَعْجُوْنَاتِ وَلِبَاسُهُ أَفْضَلُ لِبَاسٍ، الأبْيَضُ النَّاعِمُ المُطَيَّبُ، وَنَشَأَ يتِيْمًا عَلَى العَفَافِ وَالصَّلَاحِ، وَلَهُ ذِهْنٌ وَقَّادُ، وجَوَابٌ حَاِرٌ، وَمُجُوْنٌ لَطِيْفٌ (١)، وَمُدَعَبَاتٌ حُلْوَةٌ، لَا يَنْفَكُّ مِنْ جَارِيَةٍ حَسْنَاءَ.

وَذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ: أَنَّ الشَّيْخَ أَبَالفَرَجِ تَشَرَّبَ "حَبَّ البِلَادِ" فَسَقَطَتْ لِحْيَتَهُ، فَكَانَتْ قَصِيْرَةً جِدًّا، وَكَانَ يَخْضِبُهَا بِالسَّوَادِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَصَنَّفَ فِي جَوَازِ الخِضَابِ بِالسَّوَادِ مُجَلَّدًا.

وَذَكَرَهُ ابنُ البُزُوْرِيِّ فِي "تَارِيْخِهِ" (٢) وَأَطْنَبَ فِي وَصْفِهِ، وَقَالَ: أَصْبَحَ فِي مَذْهَبِهِ إِمَامًا يُشَارُ إِلَيْهِ، وَيُعْقَدُ الخِنْصَرِ فِي وَقْتِهِ عَلَيْهِ، وَدَرَّسَ بِعِدَّةِ مَدَارِسَ، وَبَنَى لِنَفْسِهِ مَدْرَسَةً بِـ"دَرْبِ دِيْنَارٍ" وَوَقَفَ عَلَيْهَا كُتُبَهُ، وَبَرَعَ فِي العُلُوْمِ، وَتَفرَّدَ بِالمَنْثُورِ وَالمَنْظُومِ، وَفَاقَ عَلَى أُدَبَاءِ عَصْرِهِ، وَعَلَا عَلَى فُضلَاءِ دَهْرِهِ، وَلَهُ التَّصَانِيْفُ العَدِيْدَةُ، سُئِلَ عَنْ عَدَدِهَا؟ فَقَالَ: زِيَادَةٌ عَلَى ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعِيْنَ مُصَنَّفًا، مِنْهَا مَا هُوَ عُشْرُوْنَ مُجَلَّدًا وَمِنْهَا مَا هُوَ كُرَّاسٌ وَاحِدٌ، وَلَمْ يُتْرَكْ فَنًّا مِنَ الفُنُوْنِ إِلَّا وَلَهُ فِيْهِ مُصَنَّفًا، كَانَ أَوْحَدَ زَمَانِهِ، وَمَا أَظُنُّ الزَّمَانَ يَسْمَحُ بِمِثْلِهِ.

قَالَ: وَكَانَ إِذَا وَعَظَ اخْتَلَسَ القُلُوْبَ، وَتَشَقَّقَتِ النُّفُوْسُ دُوْنَ الجُيُوْبِ،


(١) فِي (ط): "لَطِيْفَةٌ".
(٢) عبْدُ الرَّحْمَن بنُ عِيْسَى البُزُوْرِيُّ البَابَصرِيُّ البَغْدَادِيُّ (ت: ٦٠٤ هـ) مِنْ أَشْهَرِ تَلَامِيْذِ ابنِ الجَوْزِيِّ. قَالَ القَادِسِيُّ: "كَانَ تِلْمِيْذَ شَيْخِنَا ابنِ الجَوْزِيِّ" ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ كَمَا سَيَأَتِي قَالَ المُؤَلِّفُ هُنَاكَ: "وَكَانَ خِصِّيْصًا بِهِ، ثُمَّ تَهَاجَرَا وَتَبَايَنَا إِلَى أَنْ فَرَّقَ المَوْتُ بَيْنَهُمَا" جَمَعَ سِيْرَةَ ابنِ المَنِّي وَطَبَقَاتِ أَصْحَابِهِ عَلَى حُرُوْفِ المُعْجَمِ.