للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يَكَادُ يَتْرُكَهُ، لِكَثْرَةِ مَا يَطِيْبُ قَلْبُهُ، وَيَنْشَرِحُ صَدْرُهُ فِيْهِ، وَكَانَ يَدْعُو بَعْدَ فَرَاغِهِ دُعَاءً كَثِيْرًا. وَسَمِعْتُ شَيْخَنَا أَبَا الحَسَنِ عَلِيَّ بنِ نَجَا الوَاعِظَ (١) بِـ"القَرَافَةِ" يَقُوْل عَلَى المِنْبَرِ: قَدْ جَاءَ الإمَامُ الحَافِظُ، وَهُوَ يُرِيْدُ أَنْ يَقْرَأَ الحَدِيْثَ، فَأَشْتَهي أَنْ تَحْضُرُوا مَجْلِسَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَبَعْدَهَا أَنْتُمْ تَعْرِفُوْنَهُ، وَيَحْصُلُ لَكُمُ الرَّغْبَةُ، فَجَلَسَ أَوَّل يَوْمٍ وَكُنْتُ حَاضِرًا بِجَامِعِ "القَرَافَةِ" فَقَرَأَ أَحَادِيْثَ بِأَسَانِيْدِهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبِهِ، وَقَرَأَ جُزْءًا، فَفَرِحَ النَّاسُ بِمَجْلِسِهِ فَرَحًا كَثِيْرًا، فَقَال ابنُ نَجَا: قَدْ حَصَلَ الَّذِي كُنْتُ أُرِيْدُهُ فِي أَوَّل مَجْلِسٍ.

وَسَمِعْتُ بَعْضَ مَنْ حَضَرَ مَجْلِسَهُ بِـ"مِصْرَ" بِمَسْجِدِ المَصْنَعِ يَقُوْلُ: إِنَّ النَّاسَ بَكَوا حَتَّى غُشِيَ عَلَى بَعْضِهِمْ، قَال: وَقَال بعْضُ المِصْرِيِّيْنَ: مَا كُنَّا إلَّا مِثْلَ الأمْوَاتِ حَتَّى جَاءَ الحَافِظُ، فَأَخْرَجَنَا مِنَ القُبُوْرِ.

وَسَّمِعْتُ الإمَامَ أَبَا الثَنَاءِ مُحْمُوْدَ بنَ هَمَّامٍ الأنْصَارِيَّ يَقُوْلُ: سَمِعْتُ الفَقِيْهِ نَجْمًا -هُوَ الإمَامُ العَالِمُ نَجْمُ بنُ الإمَامِ عَبْدِ الوَهَّابِ بنِ الإمَامِ أَبي الفَرَجِ الحَنْبَلِيُّ (٢) - يَقُوْل -وَقَدْ حَضَرَ مَجْلِسَ الحَافِظِ-: يَا تَقَيَّ الدِّيْنِ، وَاللّهِ لَقَدْ جَمَّلْتَ الإسْلَامَ، وَأُقْسِمُ وَاللهِ، لَوْ أَمْكَنَنِي مَا فَارَقْتُ مَجْلِسًا مِنْ مَجَالِسِكَ.

قَالَ الضِّيَاءُ: سَأَلْتُ خَالِيَ الإِمَامَ مُوَفَّقَ الدِّيْنِ عَنِ الحَافِظِ، فَكَتَبَ بِخَطِّهِ -وَقَرَأْتُهُ عَلَيْهِ-: كَانَ جَامِعًا لِلْعِلْمِ وَالعَمَلِ، وَكَانَ رَفِيْقِي فِي الصِّبَا، وَفِي طَلَبِ العِلْمِ، وَمَا كُنَّا نَسْتَبِقُ إِلَى خَيْرٍ إلَّا سَبَقَنِي إِلَيْهِ إلَّا القَلِيْلَ، وَكَمَّلَ


(١) المُتَوَفَّى سَنَةَ (٥٩٩ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ في مَوْضِعِهِ.
(٢) المُتَوَفَّى سَنَةَ (٥٨٦ هـ) ذَكَرَهُ المُؤَلِّفُ فِي مَوْضِعِهِ.