للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سَمِعْتُ الحَافِظَ أَبَا مُوسَى قَالَ: مَرِضَ وَالِدِي -رَحِمَهُ اللّهُ- فِي رَبِيع الأوَّلِ سَنَةَ سِتِّمَائَةَ مَرَضًا شَدِيدًا مَنَعَهُ مِنَ الكَلَامِ وَالقِيَامِ، وَاشْتَدَّ بِهِ مُدَّةَ سِتَّةَ عَشَرَ يَوْمًا، وَكُنْتُ كَثيْرًا مَا أَسْألُهُ: مَا تَشْتَهِي؟ فَيَقُولُ: أَشْتَهِي الجَنَّةَ، أَشتَهِي رَحْمَةَ اللّهِ تعَالَى، لَا يَزِيْدُ عَلَى ذلِكَ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الاثْنَيْنِ جِئتُ إِلَيْهِ، وَكَانَ عَادَتِي أَبْعَثُ مَنْ يَأْتِي كُلَّ يَوْمِ بُكْرَةً بِمَاءٍ حَارٍّ مِنَ الحَمَامِ يَغْسِلُ أَطْرَافَهُ، فَلَمَّا جِئْنَا بِالمَاءِ علَى العَادَةِ مَدَّ يَدَهُ، فَعَرَفْتُ أَنَّهُ يُرِيْدُ الوُضُوْءَ، فَوَضَّأْتُهُ وَقْتَ صَلَاةِ الفَجْرِ، ثُمَّ قَالَ: يَا عَبْدَ اللّهِ، قُمْ فَصَلِّ بِنَا وَخَفِّفْ، فَقُمْتُ فَصَلَّيْتُ بِالجَمَاعَةِ، وَصَلَّى مَعَنَا جَالِسًا، فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّاسُ جِئْتُ، فَجَلَسْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ وَقَدْ اسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ، فَقَالَ لِي: اقْرَأْ عنْدَ رَأْسِي سُورَةَ (يس)، فَقَرَأْتُهَا، فَجَعَلَ يَدْعُو اللهَ وَأَنَا أُؤَمِّنُ، فَقُلْتُ: هاهنَا دَوَاءٌ قَدْ عَمِلْنَاهُ تَشْرَبُهُ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ مَا بَقِيَ إِلَّا المَوْتُ، فَقُلْتُ: مَا تَشْتَهِي شَيْئًا؟ قَالَ: أَشتَهِي النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ اللّهِ تَعَالَى، فَقُلْتُ: مَا أَنْتَ عَنِّي رَاضٍ؟ قَالَ: بَلَى وَاللّهِ، أَنَا عَنْكَ رَاضٍ، وَعَنْ إِخْوَانِكَ، وَقَدْ أَجَزْتُ لَكَ وَلإِخْوَانِكَ وَلابْنِ أُخْتِكَ إِبْرَاهِيْمَ.

قَالَ: وَسَمِعْتُ أَبَا مُوْسَى يَقُوْلُ: أَوْصانِي أَبي عِنْدَ مَوْتهِ: لَا تُضَيِّعُوا هَذَا العِلْمَ الَّذِي تَعِبْنَا عَلَيْهِ -يَعْنِي الحَدِيْثَ- فَقُلْتُ: مَا تُوْصِي بِشَيءٍ؟ قَالَ: مَا لِي علَى أَحَدٍ شَيْءٌ، وَلَا لأحَدٍ عَلَيَّ شَيْءٌ، قُلْتُ: تُوْصِيْنِي بِوَصِيَّةٍ؟ قَالَ: يَا بُنَيَّ، أُوْصِيْكَ بِتَقوَى اللّهِ، وَالمُحَافَظَةِ علَى طَاعَتِهِ، فَجَاءَ جَمَاعَةٌ يَعُوْدُوُنَهُ فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ، فَرَدَّ عَلَيْهِمْ، وَجَعَلُوا يَتَّحَدَّثُونَ، فَفَتَحَ عَينَيْهِ وَقَالَ: مَا هَذَا الحَدِيْثُ؟ اذْكُرُوا اللّهَ تَعَالَى، قُوْلُوْا: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالُوهَا، ثُمَّ