للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَمْضِي إِلَى الحَبْسِ، وَأَتْبَعُ مَا تَقْتَضِيْهِ المَصْلَحَةُ، فَقَالَ الزَّوَاوِيُّ المَذْكُوْرُ: فَيَكُوْنُ فِي مَوْضِعٍ يَصْلُحُ لِمِثْلِهِ، فَقِيْلَ لَهُ: مَا تَرْضَى الدَّوْلَةُ إلَّا بمُسَمَّى الحَبْسِ، فَأُرْسِلَ إِلى حَبْسِ القَاضِي، وَأَجْلِسُ فِي المَوْضِعِ الَّذِي أُجْلِسَ فِيْهِ القَاضِي تَقِيُّ الدِّيْنِ بنُ بِنْتِ الأَعَزِّ (١) لَمَّا حُبِسَ، وَأُذِنَ أَنْ يَكُوْنَ عِنْدَهُ مَنْ يَخْدِمُهُ. وَكَانَ جَمِيْعُ ذلِكَ بِإِشَارَةِ نَصْرٍ المَنْبِجِيِّ. وَاسْتَمَرَّ الشَّيْخُ فِي الحَبْسِ يُسْتَفْتَى، وَيَقْصُدُهُ النَّاسُ، وَيَزُوْرُوْنَهُ، وَتَأْتِيْهِ الفَتَاوَى المُشْكِلَةُ مِنَ الأُمَرَاءِ وَأَعْيَانِ النَّاسِ. وَكَانَ أَصْحَابُهُ يَدْخُلُوْنَ عَلَيْهِ أَوَّلًا سِرًّا، ثُمَّ شَرَعُوا يَتَظَاهَرُوْنَ بِالدُّخُوْلِ عَلَيْهِ، فَأَخْرَجُوْهُ فِي سَلْطَنَةِ الجَاشنكير المُلَقَّبِ بِالمُظَفَّرِ إِلَى "الإسْكَنْدَرِيَّة" عَلَى البَرِيْدِ، وَحُبِسَ فِيْهَا فِي بُرْجٍ حَسَنٍ مُضِيْءٍ مُتَّسِعٌ، يَدْخُلُ عَلَيْهِ مَنْ شَاءَ، وَيَمْنَعُ هُوَ مَنْ شَاءَ، وَيَخْرُجُ إِلَى الحَمَّامِ إِذَا شَاءَ. وَكَانَ قَدْ أُخْرِجَ وَحْدَهُ، وَأَرْجَفَ الأَعْدَاءُ بِقَتْلِهِ وَتَفْرِيْقِهِ غَيْرَ مَرَّةٍ، فَضَاقَتْ بِذلِكَ صُدُوْرُ مُحِبِّيْهِ بِـ "الشَّامِ" وَغَيْرِهِ، وَكَثُرَ الدُّعَاءُ لَهُ. وَبَقِيَ فِي "الإسْكَنْدرِيَّةِ" مُدَّةَ سَلْطَنَةِ المُظَفَّرِ. فَلَمَّا عَادَ المَلِكُ النَّاصِرُ إِلَى السَّلْطَنَةِ وَتَمَكَّنَ، وَأَهْلَكَ المُظَفَّرِ، وَحُمِلَ شَيْخُهُ نَصْرٌ المَنْبِجِيُّ، وَاشْتَدَّتْ مُوْجِدَةُ السُّلْطَانِ عَلَى القُضَاةِ لِمُدَاخَلَتِهِم المُظَفَّرَ، وَعَزَلَ بَعْضَهُمْ: بَادَرَ بِإِحْضَارِ الشَّيْخِ إِلَى "القَاهِرَةِ" مُكَرَّمًا فِي شَوَّالٍ سَنَةِ تِسْعٍ وَسَبْعِمَائَةَ، وَأَكْرَمَهُ السُّلْطَانُ إِكْرَامًا زَائِدًا، وَقَامَ إِلَيْهِ، وَتَلَقَّاهُ فِي مَجْلِسٍ حَفِلٍ فِيْهِ قُضَاةُ المِصْرِيِّيْنَ وَالشَّامِيِّيْنَ، وَالفُقَهَاءُ وَأَعْيَانُ الدَّوْلَةِ، وَزَادَ فِي إِكْرَامِهِ عَلَيْهِمْ، وَبَقِيَ يُسَارُّهُ وَيَسْتَشِيْرُهُ سُوَيْعَةً،


(١) عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَبْدِ الوَهَّابِ (ت: ٦٩٥ هـ) وَسَبَبُ سَجْنِهِ فِي طَبَقَاتِ السُّبْكِيِّ (٨/ ١٧٣).