للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الغَايةِ القُصْوَى، وَتأَلُّهٍ، وَلَهْجٍ بِالذِّكْرِ، وَشَغَفٌ بِالمَحَبَّةِ، وَالإِنَابَةِ وَالاِسْتِغْفَارِ، وَالاِفْتِقَارِ إِلَى اللهِ، وَالاِنْكِسَارِ لَهُ، وَالاِطِّرَاحِ بَيْنَ يَدَيْهِ عَلَى عَتَبَةِ عُبُوْدِيَتِهِ، لَمْ أُشَاهِدْ مِثْلَهُ فِي ذلِكَ، وَلَا رَأَيْتُ أَوْسَعَ مِنْهُ عِلْمًا، وَلَا أَعْرَفُ بِمَعَانِي القُرْآنِ وَالسُّنَّةِ وَحَقَائِقِ الإِيْمَانِ مِنْهُ، وَلَيْسَ هُوَ المَعْصُوْمَ، وَلكِنْ لَمْ أَرَ فِي مَعْنَاهُ مِثْلَهُ، وَقَدِ امْتُحِنَ وَأُوْذِيَ مَرَّاتٍ، وَحُبِسَ مَعَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّيْنِ فِي المرَّةِ الأَخِيْرَةِ بِالقَلْعَةِ، مُنْفَرِدًا عَنْهُ، وَلَمْ يُفْرَجْ عَنْهُ إِلَّا بَعْدَ مَوْتِ الشَّيْخِ (١).

وَكَانَ فِي مُدَّةِ حَبْسِهِ مُشْتَغِلًا بِتِلَاوَةِ القُرْآنِ بِالتَّدَبُّرَ والتَّفَكُّرِ، فَفُتِحَ عَلَيهِ مِنْ ذلِكَ خَيْرٌ كَثِيْرٌ، وَحَصَلَ لَهُ جَانِبٌ عَظِيْمٌ مِنَ الأَذْوَاقِ وَالمَوَاجِيْدِ الصَّحِيْحَةِ، وَتَسَلَّطَ بِسَبَبِ ذلِكَ علَى الكَلَامِ فِي عُلُومِ أَهْلِ المَعَارفِ، وَالدُّخُوْلِ فِي غَوَامِضِهِمْ، وتَصَانِيْفُهُ مُمْتَلِئَةٌ بِذلِكَ، وَحَجَّ مَرَّاتٍ كَثِيْرَةٍ، وَجَاوَرَ بِـ "مَكَّةَ"، وَكَانَ أَهْلُ "مَكَّةَ" يَذْكُرُوْنَ عَنْهُ مِنْ شِدَّةِ العِبَادَةِ، وَكَثْرَةِ الطَّوَافِ أَمْرًا يُتَعَجَّبُ مِنْهُ. وَلَازَمْتُ مَجَالِسَهُ قَبْلَ مَوْتِهِ أَزْيَدُ مِنْ سَنَةٍ، وَسَمِعْتُ عَلَيْهِ قَصِيْدَتَهُ "النُّوْنِيَّةَ الطَّوِيْلَةَ" فِي السَّنَةِ، وَأَشْيَاءَ مِنْ تَصَانِيْفِهِ، وَغَيْرِهَا.

وَأَخَذَ عَنْهُ العِلْمَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ مِنْ حَياةِ شَيْخِهِ وَإِلَى أَنْ مَاتَ، وَانْتَفَعُوا


= يَنْبَغِي أَنْ يُبْقَى عِبَارَةَ الحَافِظِ الذَّهَبِيِّ كَمَا هِيَ، وَلَا يَحْذِفُهَا لِكَيْ يَتَّضِحَ المَقْصُوْدَ، فَكَثِيْرٌ مِمَّنْ يَقِفُ عَلَى كَلَامِهِ المَبْتُوْرِ، قَدْ لَا يَقِفُ علَى كَلَامِ الحَافِظِ الذَّهَبِيِّ كَامِلًا فِي كِتَابِهِ؟! وَهَذِهِ مِنْ عُيُوْبِ بَتْرِ النُّصُوصِ أَوِ اخْتِصَارِهَا.
(١) قَالَ الصَّفَدِيُّ: "وَكَانَ قَدِ اعْتُقِلَ مَعَ الشَّيْخِ تَقِيِّ الدِّينِ بْنِ تَيْمِيَّةَ فِي قَلْعَةِ "دِمَشْقَ" بِسَبَبِ مَسْأَلَةِ الزِّيَارَةِ، وَلَمْ يَزَلْ إِلَى أَنْ تُوُفِّيَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَأُفْرِجَ عَنْهُ فِي ثَالِثَ عَشَرَ الحِجَّةِ سَنَةَ ثَمَانٍ وَعِشْرِيْنَ وَسَبْعِمَائَةَ.