للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَسَعَدُ اللهِ بنُ الدَّجَاجِيِّ، وَأَبُو الفَضْلِ خَطِيْبُ "المَوْصِلِ" وَغَيْرُهُمْ.

وَكَانَ إِمَامًا بِمَسْجِدِ ابنِ جَرْدَةَ (١) بِـ "بَغْدَادَ"، بِـ "حَرِيْمِ دَارِ الخَلَافَةِ"، اعْتَكَفَ فِيْهِ مُدَّةً طَوِيْلَةً، يُعَلِّمُ العُمْيَانَ القُرْآنَ، لِوَجْهِ اللهِ تَعَالَى، وَيَسْأَلُ لَهُم، ويُنْفَقُ عَلَيْهِم، فَخَتَمَ عَلَيْهِ القُرْآنَ خَلْقٌ كَثِيْرٌ، حَتَّى بَلَغَ عَدَدُ مَنْ أَقْرَأَهُمْ القُرْآنَ مِنَ العُمْيَانِ سَبْعِيْنَ أَلْفًا. قَالَ ابنُ النَّجَّارِ: هكَذَا رَأَيْتُهُ بِخَطِّ أَبِي نَصْرٍ اليُوْنَارْتِيِّ الحَافِظِ، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ هَذا مُسْتَحِيْلٌ، وَأَنَّهُ مِنْ سَبْقِ القَلَمِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ: سَبْعِيْنَ نَفْسًا. وَهَذَا كَلَامٌ سَاقِطٌ؛ فَإِنَّ أَبَا مَنْصُوْرٍ قَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ إِقْرَاءُ الخَلْقِ الكَثيْرِ فِي السِّنِيْنَ الطَّوِيْلَةَ. قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: أَقْرَأَ بِضْعًا وَسِتِّيْنَ سَنَةً، وَلَقَّنَ أُمَمًا، وَهَذَا مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ أَبُوْ نَصْرٍ، وَهَذَا أَمْرٌ مَشْهُوْرٌ عَنْ أَبِي مَنْصُوْرٍ، فَيَكُوْنُ جَمِيْعُ مَنْ خَتَمَ عَلَيْهِ القُرْآنَ سَبْعِيْنَ نَفْسًا! وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، وَنَحْنُ نَرَى آحَادَ المُقْرِئِيْنَ يَخْتُمُ عَلَيْهِ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِيْنَ نَفْسًا، وَإِنَّمَا كَانَ الشَّيْخُ أَبُو مَنْصُوْرٍ يُقْرِئُ هُوَ بِنَفْسِهِ وَبِأَصْحَابِهِ هَذِهِ المُدَدَ الطَّوِيْلَةَ، فَاجْتَمَعَ فِيْهَا إِقْرَاءُ هَذَا العَدَدِ الكَثيْرِ (٢).

قَالَ ابنُ الجَوْزِيِّ: كَانَ أَبُو مَنْصُوْرٍ مِنْ كِبَارِ الصَّالِحِيْنَ الزَّاهِدِيْنَ


(١) تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ، وَابْنُ جَرْدَةَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بنِ الحَسَنِ (ت: ٤٧٦ هـ) حَنْبَلِيٌّ اسْتَدْرَكْتُهُ فِي مَوْضِعِهِ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى.
(٢) هَذَا صَحِيْحٌ لَوْ كَانَتِ العِبَارَةُ: "من الصِّبْيَان" أَمَّا مِنَ "العُمْيَانِ" فَمُسْتَحِيْلٌ أَنْ يَكُوْنَ فِي "بَغْدَادَ" في زَمَنِهِ فَقَط سَبْعِيْنَ أَلْفَ أَعْمَى كُلُّهُم حَفَظَ القُرْآن عَلَى يَدَيْهِ، فَكَمْ فِيْهَا مِن أَعْمًى غَيْرَ هَؤُلَاءِ إِذًا؟! وَفِي الأُصُوْلِ كُلِّهَا: "العُمْيَان" وَلَعَلَّ صِحَّتَهَا: "الصِّبْيَان"؛ لِتَصِحَّ عِبَارَةُ الحَافِظِ ابنِ رَجَبٍ، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى.