وَعَبْدُ الرَّحِيْم هَذَا، شَاعِرٌ رَقِيقُ الشِّعْرِ جَيِّدُهُ، ومَعَ أَنَّهُ مِنْ كِبَارِ العُلَمَاءِ وَالمُحَدِّثِينَ فَشِعْرُهُ في غَايةِ الجَوْدَةِ يُضَاهِي شِعْرَ كِبَارِ الشُّعَرَاءِ في العَصْرِ العَبَّاسِي، وَقَد غَفَلَ عَنْهُ مُؤَرِّخُو الأَدَبِ. قَالَ العِمَادُ الكَاتِبُ في الخَرِيْدَةَ (قسْمِ شُعَرَاءِ العِرَاق) (٣/ ١/ ١٤٠) "وَهُوَ جَامِعُ العُلُوْمِ، مُتَفَرِّدٌ بِإِنْشَاءِ المَنْثُوْرِ وَالمَنْظُوْمِ، أَفَاضِلُ العَصْرِ تَلَامِذَةُ عِلْمِهْ، وَأَمَاثِلُ الدَّوْلَةِ مُهْتَدُوْنَ بِنَجْمِهْ، وَقَدْ أَخَذَ بِجَامِعِ الحَقَائِقِ النَّقْلِيَّةِ، واطَّلَعَ عَلَى دَقَائِقِ مَكْنُوْنَاتِ الأَدَبِ الخَفِيَّةِ، فَأَمَّا الحَدِيْثُ فَهُو سَابِقُ فُرْسَانِهْ، وأَمَّا التَّفْسِيْرُ فَهُوَ فَارِسُ مَيْدَانِهْ، وأَمَّا النَّحْوُ فَهُو بَدْرٌ طَلَعَ فِي أُفْقِهْ، وأَمَّا الأَدَبُ فَهُو شَمْسٌ طَلَعَتْ مِنْ شَرْقِهْ، يَكَادُ شِعْرُهُ مِنَ اللَّطَافَةِ يُذِيْبُ القَلْبَ القَاسِي، ونَثْرُهُ مِنَ السَّلَاسَةِ يُؤَوِّبُ الجَبَلَ الرَّاسِي، لَهُ مِنْ جَزَالَةِ البَدَاوَةِ طَلَاوَةٌ، وَلَهُ مِنْ حَلَاوَةِ الحَضَارَةِ عَلَاوَةٌ، مَعَانِيْهِ أَدَقُّ مِنَ السِّحْرِ الحَلَالْ، وَأَلْفَاظُهُ أَرَقُّ مِن المَاءِ الزُّلَالْ، وأَنَاشِيْدُهُ أَثْرَى مِنْ شَدَوَاتِ الحَمَامِ عَلَى الفَنَنْ، وَأَحْلَى مِنْ حَدَوَاتِ الحَادِيْنَ لِلظَّعَنْ".وَأَوْرَدَ العِمَادُ نَمَاذِجَ مِنْ شِعْرِهِ قَصَائِدَ طِوَالًا فِي غَايَةِ الجَوْدَةِ وَحُسْنِ الاخْتِيَارِ. وَلَمَّا أَنْشَدَ لَهُ صَدْرَ قَصِيْدَةٍ قَالَ: "أَقُوْلُ: هَذِهِ الأَبْيَاتُ حَقُّهَا أنْ تُطَرَّزَ بِمَاءِ الذَّهَبِ عَلَى وِشَاحِ الأَدَبِ. . ." ثم أَنْشَدَ منْهَا أَبْيَاتًا وَقَالَ: "هَذَا سِحْرٌ لَا شِعْرٌ، وَلَهُ بِاخْتِيَارِ هَذَا المَعْنَى عَلَى المُتَقَدِّمِيْنَ فَخْرٌ .. " وأَنْشَدَ لَهُ مِنْ قَصِيْدَةٍ أَبْيَاتًا ثُمَّ قَالَ: "مَا أَعْجَبَ هَذا =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute