للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

بِكَثْرَةِ عُلَمَاءِ المَذْهَبِ فَقَدِ انْتَشَرَ المَذْهَبُ انْتِشَارًا كَبِيْرًا فِي "العِرَاقِ" وَ"الشَّامِ" وَ"مِصْرَ" وَالجَزِيْرَةِ الفُرَاتِيَّةِ (آمِدَ وَحَرَّانَ … ) وَلَهُمْ فِي مَكَّةَ - شَرَّفَهَا اللهُ - آنَذَاكَ مِحْرَابٌ فِي "حَطِيْمُ الحَنَابِلَةِ" فِي الحَرَمِ المَكِّيِّ الشَّرِيْفِ. وَبَرَزَ مِنْهُم عُلَمَاءُ كِبَارٌ؛ فُقَهَاءُ مُتَمِيِّزُوْنَ، وَمُحَدِّثُوْنَ بَارِزُوْنَ، وَمُفَسِّرُوْنَ مَشْهُوْرُوْنَ، كَمَا تَوَلَّى بَعْضُهُم قَضَاءَ القُضاةِ، وَتَقَلَّدَ فَرِيْقٌ مِنْهُمْ الوِزَارَةَ، فَزَاحَمُوا أَهْلَ المَذَاهِب الأُخْرَى، وَكانَ لَهُمْ بِـ "بَغْدَادَ" شَوْكَةٌ وَحُضُوْرٌ، خَاصَّةً فِي الأَمْرِ بِالمَعْرُوْفِ وَالنَّهْي عَنِ المُنْكَرِ، وَالوَعْظِ، وَالتَّحْدِيْثِ، ثُمَّ لَهُمْ فِي "دِمَشْقَ" وَبَيْتِ المَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهُ حُضُوْرٌ وَاضِحٌ، وَتَصَدُّرٌ لِنَشْرِ العِلْمِ لا يُضَاهَى، وَخَاصَّةً عِلْمِ الحَدِيْثِ وَالرِّوَايَةِ.

وَفِي هَذِهِ الفَتْرَةِ كَثُرَتِ المُصَنَّفَاتُ فِي التَّرَاجِمِ وَالرِّجَالِ، وَتَنَوَّعَتْ تَنَوُّعًا عَجِيْبًا فَمِنْهَا مَا هُوَ فِي تَوَارِيْخِ المُدُنِ، وَمِنْهَا تَوَارِيْخُ مُرَتَّبَةٌ عَلَى السَّنَوَاتِ وَالوَفَيَاتِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ فِي أَسْمَاءِ الرُّوَاةِ، وَالمُحَدِّثِيْنَ، وَالفُقَهَاءِ، وَالمُفَسِّرِيْنَ، وَالنُّحَاةِ، وَاللُّغَوِيِّيْنَ … وَسُجِّلَتْ أَسْمَاءَ الشُّيُوْخِ فِي مَعَاجِمَ، وَمَرْوِيَّاتُهُمْ فِي أَثْبَاتٍ، وَجَمْعُ تَرَاجِمِ الحَنَابِلَةِ مِنْ هَذَا القَدْرِ العَظِيْمِ مِنَ المُصَنَّفَاتِ فِيْهِ صُعُوْبَةٌ بَالِغَةٌ بِلَا إِشْكَالٍ. وَقَدِ اسْتَطَاعَ الحَافِظُ ابنُ رَجَبٍ أَنْ يَجْمَعَ أَكْبَرَ قَدْرٍ اسْتَطَاعَ جَمْعَهُ، يُسَجِّلُ أَخْبَارَهُمْ، وَيَجْمَعُ آثَارَهُمْ. والمُطَّلِعُ عَلَى كِتَابِهِ يَلْحَظُ قُدْرَتَهُ الغَرِيْبَةَ عَلَى اقْتِنَاصِ الفَوَائِدِ، وَضَمُّ الشَّبِيْهِ إِلَى الشَّبِيْهِ، وَتَطْرِيْزِ التَّرَاجِمِ بِالنَّوَادِرِ، وَالأشْعَارِ، وَالاخْتِيَارَاتِ مِمَّا تَمَيَّزَ بهِ المُتَرْجَمُ مِنَ الفَتَاوَى، وَمَا انْفَرَدَ بِهِ مِنَ الآرَاءِ، وَمَا رَوَاهُ مِنَ الأحَادِيْثِ وَالآثَارِ والأَشْعَارِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>