للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

تَحْلُو لِيَ التِّجَارَةُ فأَشْتَغِلَ بِهَا، فَنَوَيْتُ الحَجَّ فَحَجَجْتُ، وَتَجَرَّدْتُ لِلْعِلْمِ، فَسَمِعْتُ دَرْسَ الشَّيْخِ أَبِي بَكْرٍ الدِّيْنَوَرِيِّ صَاحِبِ الشَّيْخِ أَبِي الخَطَّابِ الكَلْوَاذَانِيِّ (١). قَالَ: فتفَقَّهَ بِه، وَمَالَ الفُقَهَاءُ مِنْ أَصْحَابِ شَيْخِهِ إِلى الاِشْتِغَالِ عَلَيْهِ، وَدَرَّسَ بَعْدَ مَوْتِ شَيْخِهِ. قَالَ لِي: تَقَدَّمْتُ فِي زَمَنِ أَقْوَامٍ مَا كُنْتُ أَصْلُحُ أَنْ أُقَدِّمَ مَدَاسَهُمْ، وَقَالَ لِي: - رَحِمَهُ اللهُ -: مَا أَذْكُرُ أَحَدًا قَرَأَ عَلَيَّ القُرْآن إِلَّا حَفِظَهُ، وَلا سَمِعَ دَرْسِيَ الفِقْهَ إِلَّا انْتَفَعَ، ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَظِّي مِنَ الدُّنْيَا.

قَالَ ابْنُ الحَنْبَلِيِّ: أَفْتَى وَدَرَّسَ نَحْوًا (٢) مِنْ سَبْعِينَ سَنَةً، مَا تزَوَّجَ وَلَا تَسَرَّى، وَلَا رَكِبَ بَغْلَة وَلَا فَرَسًا، وَلَا مَلَكَ مَمْلُوْكًا، وَلَا لَبِسَ الثِّيَابَ الفَاخِرِ إِلَّا لِبَاسَ التَّقْوَى، وَكَانَ أَكْثَرَ طَعَامِهِ يُشَرَّبُ لَهُ فِي قَدَحٍ مَاءَ البَاقِلَّاء، وَكَانَ إِذَا فُتِحَ علَيْهِ بِشَيءٍ فَرَّقَهُ بَيْنَ أَصْحَابِهِ. وَكَانَ لا يَتَكَلَّمُ فِي الأُصُوْلِ، وَيَكْرَهُ مَنْ يُتَكَلَّمَ فِيْهِ، سَلِيْمَ الاعْتِقَادِ، صَحِيْحَ الاِنْتِقَادِ فِي الأَدِلَّةِ الفَرُوْعِيَّةِ، وَكُنَّا نَزُوْرُ مَعَهُ فِي بَعضِ السِّنِيْنَ قَبْرَ الإِمَامِ أَحْمَدَ. وَسَمِعْتُ الشَّيْخَ الإِمَامَ جَمَالَ الدِّيْنِ بْنَ الجَوْزِيِّ وَقَدْ رَآهُ يَقُوْلُ لَهُ: أَنْتَ شَيْخُنَا. وَأَضَرَّ بَعْدَ الأَرْبَعِينَ سَنَة، وَثَقُلَ سَمْعُهُ. وَكَانَتْ (٣) "تَعْلِيْقَةُ الخِلَافِ" عَلَى ذِهْنِهِ، وَفُقهَاءُ الحَنَابِلَةِ اليَوْمَ فِي سَائِرِ البِلَادِ يَرْجِعُوْنَ إِلَيْهِ، وَإِلَى أَصْحَابِهِ.

قُلْتُ: وَإِلَى هَذَا الأَمْرُ عَلَى ذلِكَ، فَإِنَّ أَهْلَ زَمَانِنَا إِنَّمَا يَرْجِعُونَ فِي


(١) سَاقِطٌ من (أ).
(٢) سَاقِطٌ من (هـ).
(٣) فِي (ط): "وَكَانَ" وَسَيَأْتِي أَنَّ لَهُ "تَعْلِيْقَةٌ" فِي الخِلافِ.