الأول سمع كلام الزوج في العقد الثاني لا غير، فإن كان العقدان في مجلسين متفرقين لا يجوز بالاتفاق، وإن كانا في مجلسٍ واحد قال عامة علمائنا لا ينعقد، وقال بعضهم مثل أبو سهل الكبير الشرعي: إنه ينعقد. قال «الزندويستي» رحمه الله: ولا نأخذ بقول أبي سهل. في «فتاوى الفضلي» : زوّج ابنته بحضرة السكارى وهم يعرفون أمر النكاح غير أنهم لا يذكرونه بعدما صحوا كما هو عادة السكارى؛ ينعقد النكاح لأن هذا نكاح بشهود.
تزوج امرأة بشهادة الله ورسوله لا يجوز؛ لأن هذا نكاح لم يحضره شهود، وعن أبي القاسم الصفار رحمه الله أنه قال: يكفر من فعل هذا؛ لأنه اعتقد أن رسول الله عليه السلام عالم الغيب.
في «فتاوى أبي الليث» رحمه الله: رجل قال لقوم: اشهدوا أني تزوجت هذه المرأة التي في هذا البيت فقالت المرأة: قبلت، فسمع الشهود مقالتها ولم يروا شخصها، فإن كانت في البيت وحدها جاز النكاح؛ لأنه لا جهالة، وإن كانت معها في البيت أخرى لم يجز؛ لأن الجهالة ممكنة، وكذلك لو وكّلت المرأة رجلاً فسمع الشهود قولها ولم يروا شخصها فهو على ما ذكرنا من الوجهين، وفي «شهادات الفتاوى» : رجلٌ زوج ابنته ورجل في بيت وقوم في بيت آخر يسمعون التزويج، ولم يشهدوهم، إن كان من هذا إلى ذلك البيت كوّة رأوا الأب منها تقبل شهادتهم، وإن لم يروا الأب لم تقبل شهادتهم.u
في «فتاوى أهل سمرقند» بعث الرجل أقواماً يخطبون امرأة، فقال الأب زوجت ابنتي فلانة من فلان، وقبل واحد من القوم تكلموا فيه قال بعضهم: لا يجوز؛ لأن هذا نكاح بغير شهود لأن الكل خاطبون من تكلم منهم ومن لم يتكلم؛ لأن المتعارف هكذا أن يتكلم واحد من القوم ويسكت الباقون. والخاطب لا يصلح شاهداً، وبه أخذ بعض مشايخ زماننا، وقال بعضهم: يجوز لأنّه لا ضرورة إلى جعل الكل خاطباً، فيجعل المتكلم خاطباً والباقون شهود، وبه أخذ الصدر الشهيد رحمه الله.
وإذا تزوج الرجل المسلم امرأة مسلمة بحضرة عبدين أو أو صبيين أو كافرين ومعهما شاهدان مسلمان حُرّان بالغان جاز؛ لأن هذا نكاح بشهود، فإن أَدرك الصبيان أو أُعتق العبدان أو أسلم الكافران وشهدوا أنه تزوجها؛ ذكر في «الأصل» مطلقاً أنه تقبل شهادتهما، وذكر شيخ الإسلام رحمه الله في «شرحه» أن المسألة على التفصيل: إن شهدا أنه تزوجها بحضرتنا وكان معنا شاهدان رجلان حران مسلمان جازت شهادتهما، وإن شهدا وقالا: لم يكن معنا غيرنا لا تقبل شهادتهما لأنهما شهدا بنكاح فاسد، والقاضي لا يقضي بنكاح فاسد.
وإذا شهد شاهد أنه تزوجها أمس، وشهد آخر أنه تزوجها اليوم فشهادتهما باطلة؛ لأنّ كل واحد منهما يشهد بعقد عقد بحضوره وحده، وذلك عندنا فاسد فكان امتناع القضاء بهذه الشهادة لكون المشهود به فاسداً لا لاختلاف الوقت؛ لأن الشهادة قامت على القول، والشهادة القائمة على القول لا يمنعها اختلاف الوقت كما في البيع، حتى