ويعتبر في النظر: النظر إلى داخل الفرج، وكذلك إنما يكون إذا كانت متكئة، أما إذا كانت قاعدة مستوية أو قائمة لا تثبت حرمة المصاهرة، قال شيخ الإسلام رحمه الله: هو الصحيح. وقال أبو يوسف في رواية ابن سماعة: النظر إلى المدخل والركب سواء، وتحرم بذلك أمُّها إذا كان بشهوة، وروى إبراهيم عن محمد رحمه الله: أن النظر إلى موضع الجماع من الدبر في حرمة المصاهرة نظير النظر إلى الفرج، ثم رجع وقال: لا يحرمه إلا النظر إلى الفرج من الداخل.
وروى ابن سماعة عن أبي يوسف رحمه الله أن النظر إلى دبر المرأة لا يوجب حرمة المصاهرة، وكذلك ذكر محمد رحمه الله في «الزيادات» في باب: إتيان المرأة في غير الفرج، وإنما وقع الفرق بين النظر إلى موضع الجماع من الدبر وبين النظر إلى موضع الجماع من القبل؛ لأن النظر إلى القبل سبب يفضي إلى الوطء في القبل؛ الذي تحصل به الحرمة والتعصيب؛ إذ السبب يقوم مقام المسبب خصوصاً في باب الحرمات، وأما النظر إلى الدبر يفضي إلى الجماع في الدبر، وبه لا تحصل الحرمة والتعصيب، ولا تثبت به الحرمة.
والجماع في الدبر لا يثبت حرمة المصاهرة، ذكره محمد رحمه الله في «الزيادات» في باب إتيان المرأة في غير الفرج، وبه أخذ بعض مشايخنا، وبعض مشايخنا قالوا: يوجب حرمة المصاهرة، وبه كان يفتي شمس الإسلام محمود الأوزجندي رحمه الله.
ووجهه: أن الجماع في الدبر لا يخلو عن اللمس بشهوة، ومجرد اللمس بشهوة تثبت حرمة المصاهرة عندنا، فهذه الزيادة إن كانت لا توجب زيادة حرمة لا توجب خلافها، وما ذكر محمد رحمه الله أصح؛ لأن المس بشهوة إنما يوجب حرمة المصاهرة، لكونه سبباً مفضياً إلى الوطء في القبل، الذي تحصل به الحرمة، وبالإتيان في غير المأتى تبيّن أن ذلك المس لم يكن مفضياً إلى الوطء الذي تحصل به الحرمة، فلا تثبت به حرمة المصاهرة، وكذلك ألا ترى أن من مس امرأة بشهوة وأمنى لا تثبت حرمة المصاهرة؛ إذا نظر إلى فرج امرأة بشهوة وأمنى لا تثبت حرمة المصاهرة؛ لأن المس المجرد والنظر المجرد إنما يوجب حرمة المصاهرة، لكونه سبباً للوطء الذي هو سبب للحرمة، وباتصال الإنزال تبيّن أن ذلك المس لم يكن بهذه الصفة، فلا ثبتت به حرمة المصاهرة.
وكذلك إذا قبلها ثم قال: لم تكن عن شهوة، أو لمسها أو نظر إلى فرجها (وقال) : لم يكن عن شهوة فقد ذكر الصدر الشهيد رحمة الله: أن في القبلة يفتى ثبوت الحرمة ما لم يتبين أنه قبّل بغير شهوة، وفي المس والنظر إلى الفرج لا يفتى بالحرمة، إلا إذا تبين أنه فعل بشهوة؛ لأن الأصل في التقبيل الشهوة، بخلاف المس والنظر.
الدليل عليه: أن محمداً رحمه الله في أي موضع ذكر التقبيل لم يقيده بشهوة، وفي أي موضع ذكر المس والنظر فيه قيدهما بالشهوة.
وفي بيوع «العيون» بخلاف هذا قال: إذا اشترى جارية على أنه بالخيار وقبلها أو نظر إلى فرجها ثم قال لم يكن شهوة وأراد ردّها، فالقول قوله، ولو كانت مباشرة، وقال لم يكن عن شهوة لم يصدق.