وجه الاستحسان: أن هذا أمر قد تسببه، وقد وقع عند الناس أن بينه وبين امرأة رضاع، فيخيّر بذلك ثم يتفحص عن حقيقة الحال فيتبيّن (٢٠٢أ١) أنه غلط في ذلك، وفيما يقع فيه الاشتباه إذا أخبر بالغلط وليس هناك من يكذبه يجب قبول خبره، ولم يوجد المكذب هنا.
وإذا أقرت المرأة أن هذا أبي من الرضاعة أو أخي أو ابن أخي وأنكر الرجل، ثم كذبت المرأة نفسها فقالت أخطأت فتزوجها فالنكاح جائز، وكذلك لو لم يتزوجها قبل تكذيب نفسها.
ولو قالت المرأة بعد النكاح: قد كنت أقررت: أنك أخي وقد قلت: إن ما أقررت به حق حين أقررت بذلك وقد وقع النكاح فاسداً، فإنه لا يفرق بينهما، ولو كان هذا القول من الزوج يفرق بينهما.
وإذا أقرّ الرجل أن هذه المرأة أخته من الرضاعة، وثبت على ذلك وأشهد عليه شهوداً، ثم تزوجها ولم تعلم المرأة بذلك، ثم جاءت بهذه الحجة بعد النكاح فرقت بينهما، ولو أقرّا بذلك جميعاً ثم أكذبا أنفسهما وقالا: أخطأنا، ثم تزوجها كان النكاح جائزاً، وكذلك هذا في النسب، ليس يلزم من ذلك إلا ما ثبتا عليه؛ لأن الغلط والاشتباه فيه مما يتحقق، ولو تزوج امرأة ثم قال بعد النكاح هي أختي من الرضاعة أو ما أشبه، ثم قالت المرأة: أُوهمت، ليس الأمر كما قلت لا يفرق بينهما استحساناً، ولو ثبت على هذا المنطق وقال: هو حق كما قلت، يفرق بينهما، ولو جحد بعد ذلك لا ينفعه جحوده.
والحاصل: أنّ مثل هذا الإقرار إنما يوجب الفرقة بشرط الثبات عليه، فإذا قال: أُوهمتُ فقد انعدم ما شرطه فلا يوجب الفرقة. وإذا قال بعد الإقرار: هو حق كما قلت: هذه أختي أو هذه ابنتي، وليس لها نسب معروف ثم قال: أُوهمت يصدق، وهذا بخلاف ما لو قال لعبده: هذا ابني، أو قال لأمته: هذه ابنتي ثم قال: أُوهمت، لا يصدق ويحكم بعتق العبد والأمة.
والفرق: أن الأشتباه لا يقع بين العبد وبين ابنه إلا نادراً لأن العبد في الغالب.... لابنه في المطعم والملبس والمجلس، والنادر لا عبرة له، فلا يُعتد بقوله: أوهمت، والاشتباه بين ابنته وبين زوجته ليس بنادر بل هو غالب، لتفارقهما في المطعم والملبس والمجلس، والغالب معتبر شرعاً، ولهذا تعلّل إذا قال: أوهمت فهو الفرق بين الصورتين.
ولو قال: هذه ابنتي من النسب، قال ذلك لامرأته وثبت عليه، ولها نسب معروف لم أفرق بينهما، وكذلك لو قال: هذه أمي والأم معروفة وثبت عليه، ذلك لا يفرق بينهما؛ لأنه مكذب شرعاً فيما قال.
ولو صار مكذباً من جهة نفسه بأن قال: أوهمت لم يفرق بينهما، فكذا إذا صار