امرأة مسلمة بالغة صارت معتوهة ولها أبوان مسلمان زوجها أبوها وهي معتوهة حتى جاز النكاح ثم ارتد الأبوان والعياذ بالله ولحقا بها بدار الحرب لم تبن من زوجها. فرّق بين هذه وبين الصغيرة. المسلمة إذا ارتد أبواها ولحقا بها بدار الحرب إنها تبين من زوجها والفرق إنها إذا بلغت عاقلة فقد زالت تبعية الأبوين، وإذا وصفت الإسلام صارت مسلمة بإسلامها مقصوداً وبعد صفة العته إسلامها باق حقيقة؛ لأن العته لا يُنافي الإسلام فأما الصغيرة فهي مسلمة تبعاً للأبوين لا بإسلام نفسها وبعدما ارتد الأبوان لا يمكن إبقاؤها مسلمة تبعاً للأبوين وليس لها إسلام نفسها فلهذا بانت من زوجها، والصغيرة إذا عقلت الإسلام ووصفت ثم صارت معتوهة كانت بمنزلة هذه؛ لأنها لما عقلت الإسلام ووصفت صارت مسلمة بطريق الأصالة كالبالغة.
مسلم تزوج نصرانية صغيرة، ولها أبوان نصرانيان، فكبرت وهي لا تعتد ديناً من الأديان ولا تصفه وهي غير معتوهة، فإنها تبين من زوجها، معنى قوله لا تعتد ديناً من الأديان لا تعْرف ديناً من الأديان بقلبها ومعنى قوله: لا تصفه لا تعرفه باللسان لأنه له هو لها دين الأبوين لزوال التبعية ولم تظهر لها جهة الأصالة، فكانت جاهلة ليس لها ملّة معنية والملّة المعينة شرط النكاح ابتداءً وبقاءً.
وكذلك الصغيرة المسلمة إذا بلغت عاقلة وهي لا تعتقد الإسلام ولا تصفه وهي غير معتوهة بانت من زوجها لما ذكرنا، ومحمد رحمه الله سمى هذه في «الكتاب» مرتدة؛ لأنا حكمنا بإسلامها بطريق التبعية، والآن بكفرها، فكانت مرتدة. ولم يذكر في «الكتاب» إذا بلغت فعرفت الإسلام بأن قالت أنا أعقل الإسلام وأعرفه وأقدر على وصفه إلا أني لا أصفه أنها هل تبين من زوجها؟ قيل: يجب أن يكون فيه اختلاف المشايخ على قول من يشترط الإقرار باللسان لصيروته مسلماً تبين من زوجها؛ لأنها تركت ما هو الركن بلا عذر وكذلك لم يذكر ما إذا قالت أنا أعقل الإسلام، ولكن لا أقدر على الوصف هل تبين من زوجها قيل يجب أن يكون فيه اختلاف المشايخ على نحو ما بينّا، على قول من يشترط الإقرار باللسان تبين من زوجها لأنها تركت ركناً بغير عذر لأن العجز إنما جاء من ناحية الجهل لانعدام الآلة، والجهل في دار الإسلام ليس بعذر، ولو كانت هاتان اللتان بلغتا قد عقلتا الإسلام أو النصرانية قبل أن تبلغا ولكن لم تصفا ذلك ولا غيره لم تبن واحدة منهما من زوجها، فهذا دليل على أن من صَدق بقلبة كان مسلماً وإن لم يقرّ لسانه. وهكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله في كتاب العالم والمتعلم، وبه أخذ الشيخ الإمام الزاهد أبو منصور الماتريدي رحمه الله وهو مذهب أبي الحسن الأشعري، وعامة مشايخنا قالوا لا بل الإقرار باللسان شرط لصيرورته مسلماً، فتأويل هذه المسألة على قول عامة المشايخ أنهما عقلتا الإسلام قبل البلوغ ولم يصفا ذلك ولا غيره وأنهما لا تبينان من زوجيهما ما دامتا صغيرتين لأنهما ما دامتا صغيرتين؛ كانت تبعية الأبوين باقية، فكانت المسلمة مسلمة والنصرانية نصرانية تبعاً. وأما بعد البلوغ فلا. فإن وصفت المجوسية ودانت بانت من زوجها (٢١٦ب١) عند أبي حنيفة رحمه الله هذا بمنزلة الردة، وردة