للدار؛ وهذا لأن سبب الاستتباع في جانبها بالجزئية والتعصبية، وفي الدار بالمجاورة والاتصال وأبداً يحال بالحكم على الأقوى، فجعلناها (٢١٦أ١) مسلمة تبعاً للأبوين وبارتدادهما زالت التبعية فيحكم بكفرها وتبين من زوجها.
قلنا: إنما يحال بالحكم على أقوى السببين إذا كان الأقوى من السبب يوجب من الحكم خلاف ما يوجبه الأضعف؛ لأنه حينئذ يتعذر العمل بهما لما بينهما من التنافي في الحكم، فيجب العمل بالراجح لما في المسألة التي أوردها إذ الشخص الواحد لا يتصور أن يكون مسلماً وكافراً، أما إذا كان الحكم واحداً يضاف بالحكم إليهما ألا ترى أنه لو كان في حادثة نصّ الكتاب وخبر الواحد والقياس وموجب الكل حكم واحد كان ذلك الحكم مضافاً إلى الكل، فيقال هذا حكم ثبت بالكتاب والسنة والقياس، وهنا الحكم واحد وهو إسلامها وأضفناه إليهما والتقريب ما ذكرنا حتى لو ألحقاها بدار الحرب بانت من زوجها لأن تبعية الدار قد زالت كما زالت تبعية الأبوين فحكمنا بردتها فبانت وبطل مهرها.
ولو ماتت أمها مسلمة في دار الإسلام أو بعدما ارتدت ولحق بالصبية أبوها مرتداً بدار الحرب لم تبن من زوجها، بخلاف ما إذا كانا حيين ولحقا بالصبية بدار الحرب مرتدين. فإنها تبين من زوجها.
مسلم تزوج صبية نصرانية زوجها أبوها وأبواها نصرانيان ثم تمجس أحد أبويها وبقي الآخر على النصرانية، فهذه البنت لا تبين من زوجها؛ لأن الولد يتبع خير الأبوين ديناً، وخيرهما ديناً النصراني قال: النصراني أقرب إلى الإسلام من المجوسي حتى تحل ذبيحته، ويحل للمسلم نكاح النصرانية فبقيت نصرانية تبعاً لوالدها النصراني، ولو كان الأبوان تمجسا والجارية صبية على حالها بانت من زوجها. وإن لم يكن أدخلاها دار الحرب فرق بين هذه المسألة وبين الصغيرة المسلمة إذا ارتد أبواها لا تبين من زوجها ما لم يدخلاها دار الحرب، والفرق أن في تلك المسألة الصغيرة بقيت مسلمة بعد ارتداد الأبوين تبعاً لدار الإسلام، وههنا لا يمكن إبقاؤها نصرانية تبعاً للدار إذ الدار ليست داراً للتنصر، واستشهد في «الكتاب» لحال بعد النكاح بحال ابتداء النكاح فقال: ألا ترى أن بعد تمجس الأبوين ليس للقاضي ولا لأحد أن يزوج الصغيرة من مسلم، وبعد ردّة الأبوين جاز للقاضي أن يزوج الصبية من مسلم، فكذا في حالة البقاء، قال وليس لها من المهر قليل ولا كثير، علل فقال: لأن الفرقة جاءت من قبلها.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا التعليل، فإنه لم يوجد منه صنيع أصلاً إنما الصنيع للأبوين في التمجس، قلنا: ما قاله محمد رحمه الله مستقيم؛ لأنه لم يقل: الفرقة جاءت بصنعها حقيقة، إنما قال الفرقة جاءت من قبلها أي من عندها والفرقة جاءت من عندها لأن الفرقة وقعت بردتها تبعاً للأبوين، وتبعيتها بسبب الصغر، وصغرها من قبلها لأنه وصفها، وكذلك الجواب فيما إذا بلغت معتوهة؛ لأنها إذا بلغت معتوهة بقيت تابعة للأبوين وللدار في الدين لأنه ليس للمعتوهة إسلام نفسها حقيقة فكانت بمنزلة الصغيرة من هذا الوجه.