للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا تيمم الرجل من موضع فجاء رجل آخر، وتيمم من ذلك الموضع أيضاً أجزأه لأن الصعيد الباقي في المكان بعد تيمم الأول نظير الماء الباقي في الإناء بعد وضوء الأول فيكون طاهراً وطهوراً في حق الباقي والله أعلم.

(نوع آخر) في بيان من يجوز له التيمم ومن لا يجوز

فنقول: يجوز للمسافر التيمم إذا لم يكن معه ماء، وكذلك إذا كان معه ماء وهو يخاف على نفسه من العطش أو دابته، لأنه عاجز عن استعمال الماء حكماً لكونه مستحقاً لحاجته الأصلية فيعتبر بما لو كان عاجزاً عن استعمال الماء حيقيقة.

وكذلك إذا كان مقيماً خرج عن المصر لحاجة له نحو الاحتطاب والاحتشاش لا للسفر وقد صار بعيداً عن المصر فله أن يتيمم.

وتكلموا في تقدير البعيد، قال بعض مشايخنا: إذا كان بينه وبين المصر ميل وذلك قدر ثلث فرسخ فهو بعيد وبعضهم قدر البعيد بالفرسخ، وبعضهم بما لو خرج مسافة قصر الصلاة عنه وبعضهم بما إذا كان لا يسمع الأذان، وبعضهم: بما إذا كان بحيث لو نودي من أقصى المصر لم يسمع، وعن محمد رحمه الله: أنه قدره بالميلين، ومن الناس من قال: لا يجوز التيمم لمن خرج من المصر، إلا إذا قصد سفراً صحيحاً، لأن الله تعالى قيده بالسفر حيث قال: {وإن كنتم مرضى أو على سفر} (النساء: ٤٣) .

ويجوز التيمم للمريض إذا خاف زيادة المرض باستعمال الماء، وقال الشافعي: لا يجوز إلا إذا خاف التلف: واعلم بأن هذه المسألة على أربعة أوجه:

(٢٠ب١) إما أن يخاف على نفسه الهلاك بسبب استعمال الماء، أو خاف تلف عضو من أعضائه، وفي هذين الوجهين يجوز له التيمم، وأما أنه لا يخاف على نفسه الهلاك ولا تلف عضو من أعضائه، ولكن يخاف من زيادة المرض، أو يخاف إبطاء البرء بسبب الاستعمال، وهو الوجه على الخلاف بيننا وبين الشافعي، على ما ذكرنا، وإن كان لا يخاف على نفسه شيئاً من ذلك، وفي هذا الوجه لا يجوز له التيمم بلا خلاف لأن الآدمي لا يخلو عن نوع مرض، ولو جوزنا التيمم بكل مرض أدى إلى إباحة التيمم على كل حال سفراً كان أو حضراً..........

حجة الشافعي: أن التيمم مشروع في حال عدم الماء، وهذا واجد للماء حقيقة، وإنما يعتبر عاجزاً حكماً عند خوف التلف، ولا يجوز التيمم لمن لا يخاف التلف.

ولنا: أن زيادة المرض تسبب التلف، فصار الخوف عنها خوفاً عن سبب التلف، فيصير خوفاً عن حقيقة التلف معنى.

وإن كان المريض بحال لا يضره استعمال الماء أصلاً إلا أنه عجز عن استعماله بحكم المرض فهذا على وجهين:

<<  <  ج: ص:  >  >>