للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واعلم بأن المبتلى بالحادثة سواء وقع الحكم له أو عليه، وإن كان فقيهاً له رأي إن وقع الحكم عليه بأن كان هو يعتقد الحِل فقضى القاضي بالحرمة فعليه أن يتبع قضاء القاضي، وإن حصل الحكم له بأن كان يعتقد الحرمة وقضى القاضي بالحل فعليه أن يتبع حكم القاضي في قول محمد رحمه الله وعلى قول أبي يوسف رحمه الله لا يترك رأي نفسه، ولا يلتفت إلى إباحة القاضي فيما يعتقده حراماً، هكذا وقع في بعض النسخ، وذكر الخصاف في «أدب القاضي» في هذه الصورة أن عليه أن يتبع حكم القاضي في ظاهر الرواية، وذكر في غير رواية الأصول أن على قول أبي يوسف رحمه الله لا يلتفت إلى إباحة القاضي فيما يعتقده حراماً. وإذا كتب القاضي الحنفي إلى القاضي الشافعي في تقليده في هذه الصورة وأمثالها إن كان التقليد للحكم ببطلان اليمين كان جائزاً في قول أبي حنيفة رحمه الله خلافاً لهما بناء على مسألة معروفة أن القاضي إذا قضى في فصل مختلف بخلاف رأيه على قول أبي حنيفة رحمه الله ينفذ قضاؤه، وعلى قولهما لا ينفذ. وإذا كان من مذهبهما أن قضاءه بخلاف رأي نفسه لا ينفذ، فكذا لا يجوز التقليد بخلاف رأيه عندهما أيضاً.

وإن كان التقليد للحكم بما يراه ويقتضيه الشرع كان التقليد صحيحاً عند الكل وفي «الجامع الأصغر» قال أبو نصر الدبوسي رحمه الله: في الحاكم المحكم إذا حكم بجواز النكاح بعد الطلاق المضاف وهو يرى ذلك نفذ حكمه وجاز النكاح فلا يقع الطلاق، وقال كثير من مشايخ بلخ: لا يجوز، وذكر شمس الأئمة الحلواني رحمه الله في «شرح أدب القاضي» للخصاف رحمه الله أن حكم الحاكم المحكم إذا حكم فيما عدا الحدود والقصاص من المجتهَدَات، نحو الكنايات والطلاق المضاف جائز هو الظاهر من مذهب أصحابنا، وهو الصحيح، لكن مشايخنا امتنعوا عن هذه الفتوى، وقالوا: يحتاج إلى حكم الحاكم المقلد كما في الحدود والقصاص كيلا يتجاسر العوام فيه.

وسئل الصدر الشهيد حسام الدين رحمه الله عن هذا فقال (٢٢٦أ١) أقول: لا يحل لأحد أن يعتقد هذا، ولا أزيد على هذا. قال شمس الأئمة الحلواني رحمه الله: وقد روي عن أصحابنا ما هو أوسع من هذا، وهو أن صاحب الحادثة إذا استفتى فقيهاً عدلاً من أهل الفقه والفتوى، فأفتاه ببطلان اليمين وسعه اتباع فتواه، وإمساك المرأة المحلوف بطلاقها، قال: وقد روي عنهم ما هو أوسع من هذا أن صاحب الحادثة إذا استفتى فقيهاً وأفتاه ببطلان اليمين وسعه إمساك المرأة، فإن تزوج امرأة أخرى فكان حلف بطلاق كل امرأة يتزوجها، فاستفتى فقيهاً آخر فأفتاه بصحة اليمين يفارق الأخرى ويمسك الأولى عملاً بفتواهما جميعاً.

وإذا قال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فتزوج امرأة وفسخ اليمين عليها وقال لامرأة بعينها: إن تزوجتك فأنت طالق، فتزوجها وفسخ اليمين عليها بطريقة إلى عقد جديد والعقد الأول يكفي، هكذا حكي عن شمس الأئمة الحلواني رحمه الله، عن أستاذه القاضي الإمام علي النسفي رحمه الله وهذا لأن القاضي بالفسخ لا يرفع الطلاق الواقع إذ

<<  <  ج: ص:  >  >>