وعندهما يقع تطليقة رجعية؛ لأن لفظ البينونة متضمنه طلاقاً فصار كما لو قالت: طلقت نفسي تطليقة بائنة فيصح الأصل ويلغوا الوصف لأبي حنيفة رحمه الله أن لفظة الإبانة جواباً تضمنت طلاقاً، وههنا لفظة الإبانة لا تصح جواباً؛ لأنه لم يفوض إليها الإبانة فصارت مبتدأة بهذا الكلام، فلم يتضمن هذا الكلام طلاقاً هكذا ذكر القدوري في «شرحه» .
وذكر في «الجامع» قول أبي حنيفة رحمه الله: إنه يقع، والوجه ما ذكرنا لأبي يوسف ومحمد رحمهما الله، ولفظ الاختيار يصلح تفسيراً للأمر باليد؛ لأنه أخص من لفظة الأمر؛ لأن الأمر باليد قد يكون في الاختيار وغيره، وقد يكون بثلاث، وقد يكون بواحد، والخاص يصلح تفسيراً للعام، والأمر باليد لا يصلح تفسيراً للاختيار؛ لأن العالم لا يصلح تفسيراً للخاص، والطلاق يصلح تفسيراً للأمر، والاختيار؛ لأنه مفسر مصرح فيصلح تفسيراً لهما، والأمر لا يصلح تفسيراً للأمر.
وكذلك الاختيار لا يصلح تفسيراً للاختيار؛ لأن الشيء لا يصلح تفسيراً لنفسه، وإذا لم يصلح تفسيراً يجعل علة لما تقدم، وإن تعذر جعله علة يحمل على العطف. ولو ذكرها بحرف الواو فهو للعطف والمعطوف لا يصلح تفسيراً للمعطوف عليه؛ لأن العطف يقتضي المغايرة والتفسير مع المفسر كشيء واحد، وإذا عطف البعض على البعض والتفسير المذكور في آخرها يجعل تفسيراً للكل؛ لأن بحكم العطف صار الكل في معنى كلام واحد إذا قال: أمرك بيدك طلقي نفسك أو قال لها: اختاري نفسك، فقالت اخترت نفسي وقال الزوج: لم أرد الطلاق كان مصدقاً، ولا يقع عليها شيء؛ لأن قوله: طلقي نفسك لما ذكر بدون حرف الصلة لم يجعل جواباً وتفسيراً لأول الكلام بل اعتبر تفويضاً مبتدأً فبقي الأول منهما، فكان القول قوله في أنه لم يرد الطلاق، وقوله: طلقي وإن كان تفويضاً مفسراً إلا أن قولها اخترت لا يصلح جواباً له فلا يقع به شيء، حتى لو قالت طلقت نفسي تقع تطليقة رجعية في المسألتين جميعاً بقوله: طلقى نفسك؛ لأنه تفويض صريح مفسر وقولها طلقت يصلح جواباً له والواقع بالصريح رجعي.
ولو قال لها: أمرك بيدك وطلقي نفسك أو قال لها: اختاري وطلقي نفسك فاختارت نفسها، فقال الزوج: لم أرد الطلاق بالأمر باليد، وبالاختيار لم يقع شيء؛ لأن الكلام بقي منهما مجملاً؛ لأن قوله: وطلقي لم يصر تفسيراً لكونه معطوفاً عليه، فيقبل قول الزوج: إنه لم يرد الطلاق بالكلام الأول، وقوله: وطلقي وإن كان تفويضاً مفسراً إلا أن قولها اخترت نفسي لا يصلح جواباً له. ولو قال لها: أمرك بيدك فاختاري وطلقي نفسك، فقالت: قد اخترت نفسي، وقال الزوج: لم أرد بشيء من ذلك، فإنه لا يصدق على ذلك، وتقع تطليقة بائنة بقوله: أمرك بيدك مع يمينه بالله ما أراد به الثلاث؛ لأن الأمر (٢٤٣ ب١) باليد؛ كلام مبهم، وقوله اختاري خرج جواباً وتفسيراً له لأنه ذكره بحرف الفاء وهو يصلح جواباً وتفسيراً للأمر باليد؛ لأن الأمر أشد إبهاماً من الاختيار ولأنه ينتظم الاختيار وغيره، فإذا فسره بالاختيار قبل الإبهام فيصلح تفسيراً له من هذا الوجه.