ويصير تقدير الكلام: أمرك بيدك لتختاري نفسك فلما قال بعد ذلك فطلقي نفسك وأنه يصلح تفسيراً للاختيار، صار الاختيار مفسراً بالطلاق فصار الاختيار المفسر تفسيراً للأمر باليد والوقوع بالمفسر لا بالتفسير والواقع بالأمر باليد طلاق بائن ولكن مع احتمال الثلاث، فلهذا قال: تقع تطليقة بائنة مع يمينه بالله ما أراد به الثلاث.
ولو قال لها: اختاري فاختاري فطلقي نفسك، فاختارت نفسها طلقت تطليقتين بائنتين؛ لأن قوله اختاري مبهم وقوله: فاختاري لا يصلح تفسيراً له فيجعل تفويضاً مبتدأً معطوفاً على الأول كأنه قال: اختاري واختاري لما عرف أن حروف الصلات يقام بعضها مقام البعض باعتبار الخاصية.
وصارت مسألتنا: اختاري واختاري وطلقي نفسك وهناك قوله فطلقي نفسك، يصير تفسيراً للتفويض بحكم العطف كذا ههنا، وإذا صار قوله: فطلقي نفسك تفسيراً لهما كان الواقع بهما وقولهما: اخترت يصلح جواباً لهما، والواقع بكل واحد منهما طلاق بائن فطلقت تطليقتين بائنتين.
لهذا ولو قال لها: اختاري فأمرك بيدك وطلقي نفسك فقالت: قد اخترت نفسي أو قالت طلقت نفسي فهي طالق تطليقة بائنة بقوله أمرك بيدك يجعل المقدم مؤخراً كأنه قال: أمرك بيدك فاختاري فطلقي نفسك وإنما كان كذلك، لأن الأمر باليد لا يصلح تفسيراً للاختيار والاختيار يصلح تفسيراً للأمر باليد فيجعل الاختيار تفسيراً للأمر باليد بالتقديم والتأخير، فإن التقديم والتأخير في كلام العرب جائز فصار كأنه قال: أمرك بيدك فاختاري وطلقي نفسك.
ولو قال هكذا تقع تطليقة بائنة بقوله أمرك بيدك وهي المسألة المتقدمة كذا ههنا، فلم يجعل الفاء ههنا بمنزلة الواو ليصير كأنه قال: اختاري وأمرك بيدك فطلقي نفسك، لأنا لو جعلنا هكذا تقع تطليقتان، ولو جعلنا المقدم مؤخراً على نحو ما ذكرنا تقع تطليقة واحدة وكلا الوجهين من الممكنات، فجعلنا المقدم مؤخراً كيلا تقع تطليقة أخرى بالشك والله أعلم.
نوع آخريتصل بهذا الفصل في تعليق الطلاق بالمشيئة وفي تعليق التفويض بالمشيئة
إذا قال لامرأته: أنت طالق إن شئت، فذلك إليها ما دامت في مجلسها فإن شاءت في مجلسها وقع الطلاق؛ لأن هذا في معنى الخيار من حيث إن المشيئة عمل فلها كالاختيار فيكون الواقع رجعياً؛ لأن الوقوع بصريح الطلاق وهو قول الزوج: أنت طالق، وكذلك إذا قال: طلقي نفسك إن شئت أو لم يقل إن شئت فذلك إليها في مجلسها إلا أن ههنا لا تطلق ما لم تطلق نفسها؛ بخلاف المسألة الأولى، فإن هناك إذا شاءت طلاقها وإن لم تطلق نفسها لأن ههنا المعلق بالمشيئة التطليق وهناك المعلق بالمشيئة الطلاق.
ولو قال لأجنبي: طلق امرأتي إن شئت يقتصر على المجلس وبدون قوله: إن شئت