أبصر الماء كأنه هو المتيمم فلهذا فسدت صلاته ولأنه اعتقد فساد صلاة الإمام، فإن عنده أن الإمام يصلي بالتيمم مع وجود الماء، والمقتدي إذا اعتقد فساد صلاة الإمام تفسد صلاته، كما لو اشتبهت القبلة على الإمام والقوم، فتحرى الإمام إلى جهة والمقتدي إلى جهة أخرى وهو عالم أن الإمام صلى إلى غير جهته فإنه لا يصح اقتداؤه به.
وكذلك في مسألة الترتيب، صلاة الإمام فاسدة في حق المقتدي لأن الترتيب من شرط الجواز، وأنه ثابت في حق المقتدي بعلمه أن على الإمام صلاة الفجر، وبعلم الإمام أنه ليس عليه شيء فكانت صلاة الإمام فاسدة في حق المقتدي، جائزة في حق الإمام فلا يصح اقتداؤه به كذا هذا.
وأجمعوا أن المتيمم إذا أمّ المتيممين ثم رأى بعض من خلفه الماء أو علم بمكانه ولم يعلم الإمام تفسد صلاة من علم بالماء لما ذكرنا أن المفسد للصلاة أحد الأشياء الثلاثة.
ومن جملة ذلك: رؤية الماء في حق المتيمم، وهذا متيمم فيكون رؤية الماء مفسد للصلاة في حقه لا في حق غيره، لأن صلاة الغير لا تتعلق بصلاته. قال: المتيمم إذا وجد الماء فلم يتوضأ به ثم حضرت الصلاة فلم يجد الماء أعاد التيمم، لأنه لما قدر على استعمال الماء بطل تيممه وصار محدثاً بالحدث السابق فهذا محدث لا ماء معه، فعليه التيمم للصلاة.
قال: جماعة من المتيممين إذا رأوا في صلاتهم قدر ما يكفي لأحدهم إن كان الماء مباحاً فسدت صلاة الكل. وإن كان مملوكاً لرجل فقال: أبحت الماء لكل واحد منكم أو قال: من شاء فليتوضأ فسدت صلاتهم. وإن قال: أبحت لكم جميعاً لم تفسد صلاتهم.
قال محمد رحمه الله في «الزيادات» : جماعة من المتيممين انتهوا إلى رجل في السفر معه من الماء ما يكفي لأحدهم فأباح لهم وقال: خذوه فليتوضأ به أيكم شاء، ينتقض تيممهم، لأن هذا الماء بالإباحة والتحق بالمباح الأصلي، وهناك ينتقض تيمم الكل لأن هذا الماء يمنعهم عن ابتداء التيمم لأنه يفيد القدرة على الطهارة لكل واحد منهم فيمنع البقاء فكذا ههنا.
فإن توضأ به أحدهم جاز وأعاد الباقون تيممهم. ولو كان قال: هذا الماء لكم فاقبضوه فقبضوه لم ينتقص تيممهم، لأنه ما أباح الماء لهم بل ملكه منهم فلا يصيب كل واحد منهم إلا شيئاً يسيراً، وذلك القدر لا يفيد القدرة على الطهارة فلا يبطل التيمم، ألا ترى أن ذلك القدر لا يمنع ابتداء التيمم فلا يمنع بقاؤه، قال بعض مشايخنا: وهذا على قولهما لأن عندهما هبة المشاع فيما يحتمل من رجلين هبة جائزة تامة، فكان هذا تمليكاً منهم.
أما على قول أبي حنيفة رحمه الله: هبة المشاع فيما يحتمل القسمة رجلين أو جماعة غير جائزة فلا يكون هذا تمليكاً منهم بل يكون مجرد إباحة، فصار نظير الوجه الأول. وبعضهم قالوا: هذا قولهم جميعاً وهو الصحيح، وإنما كان كذلك لوجهين: