كان قوله أنت طالق فاصلاً بين الثلاث وبين الاستثناء كذا ههنا.
أما قوله: يا زانية إخبار عن صفة قائمة بها وليس بإيقاع فبقي نداء، والنداء لا يصير فاصلاً بين الشرط والجزاء والصحيح ما ذكر في ظاهر الرواية لأن قوله يا طالق نداء بصيغته وليس بإيقاع وإنما يثبت الوقوع بقوله يا طالق بطريق الضرورة لا بموجب الصيغة ليصير اللفظ نداء، بمعنى قائم بالمنادى، وههنا لا ضرورة إلى القول بالوقوع بطريق الاقتضاء ولا يمكن القول به لما كان الاستثناء متصلاً بقوله: يا طالق، فكان نداء بصورته كقوله يا فاطمة، يا عائشة، والنداء لا يصير فاصلاً.
وفي «المنتقى» : إذا قال لها: أنت طالق ثلاثاً يا عمرة بنت عبد الله إن شاء الله لا تطلق. ولو قال أنت طالق ثلاثاً يا عَمرة بنت عبد الله بن عبد الرحمن إن شاء الله تطلق، فالنسبة إلى الأبوين، وأكثر من ذلك فاصل بين الإيقاع والاستثناء، والنسبة إلى أب واحد ليس بفاصل.
وفي «نوادر بشر بن الوليد» : عن أبي يوسف رحمه الله: قال لها: أنت طالق ثلاثاً يا زانية إن شاء الله. فالاستثناء على الآخر وهو القذف ويقع الطلاق، وكذلك إذا قال لها أنت طالق يا طالق إن شاء الله، ولو قال لها: أنت طالق يا خبيثة إن شاء الله، فالاستثناء على الكل ولا يقع الطلاق كأنه قال يا فلانة، وذكر ثمة أصلاً فقال: المذكور في آخر الكلام إذا كان يقع به طلاق أو يجب به حد فالاستثناء عليه، نحو قوله: يا زانية ويا طالق، وإن كان يجب به حد ولا يقع به طلاق فإنه استثناء على الكل وذكر نحو قوله يا خبيثة.
وفي «الجامع» : إذا قال: امرأتي طالق إن دخلت الدار، وعبدي حر إن كلمت فلاناً إن شاء الله، انصرف الاستثناء إلى اليمينين، وعن أبي يوسف رحمه الله: أنه يقتصر الاستثناء على اليمين الثانية.
حكي عن الكرخي رحمه الله كان يقول: حاصل الخلاف في هذه المسألة راجع إلى مسألة أخرى مختلفة، إن قوله إن شاء الله يستعمل لإبطال الكلام، أو يستعمل استعمال الشروط، للتعليق فعلى قول أبي يوسف رحمه الله يستعمل استعمال الشروط، وعلى قولهما يستعمل استعمال الإبطال حتى إن من قال لامرأته: إن شاء الله أنت طالق، فعلى قولهما: لا يقع الطلاق، وعلى قول أبي يوسف رحمه الله: يقع، ولو قال يستعمل عندهما استعمال الشروط للتعليق لكان يقع الطلاق عندهما كما يقع عند أبي يوسف رحمه الله، ألا ترى أنه لو قال: لامرأته: إن دخلت الدار أنت طالق إن دخلت الدار، وأنت طالق يقع الطلاق في الحال عند الكل، لما كان قوله إن دخلت الدار يستعمل استعمال الشروط ذكر الكرخي رحمه الله الخلاف في مسألة المشيئة على هذا الوجه.
وقد حكينا عن القدوري الخلاف في مسألة المشيئة على عكس هذا فعلى (ما) ذكره الكرخي، وأبو يوسف رحمه الله يعتبر اللفظ ويقول: اللفظ لفظ شرط، وهما قالا: إنما يعتبر اللفظ عند الإمكان ولا إمكان ههنا؛ لأن معنى الشرط غير موجود ههنا؛ لأن الشرط ما ينتظر وجوده لا ما لا وجوده، ألا ترى أنه لو علق الطلاق بفعل في الماضي لا يكون ذلك شرطاً بالاتفاق لأنه لا يمكن انتظاره.