قلنا: وإنما ينتظر الشيء ليتوصل إلى معرفته، ومشيئة الله تعالى مما لا يتوصل إلى معرفته فلا يصح انتظاره. إذا ثبت أن من مذهب أبي يوسف رحمه الله أن هذا الكلام يستعمل استعمال الشروط يقتصر على الثاني كصريح الشرط، وعندهما لما كان يستعمل استعمال الإبطال ينصرف إليهما؛ لأنه كما مست الحاجة إلى الإبطال الثاني مست الحاجة إلى إبطال الأول، والكلام متصل، فينصرف الاستثناء إليهما بخلاف صريح الشرط؛ لأن اليمين الأول غير محتاج إلى شرط (٢٤٨ب١) آخر بل هو بدون شرط آخر فانصرف هذا الشرط إلى الثاني لهذا. وغيره من المشايخ تكلموا في المسألة على سبيل الابتداء وإنه يبتني على أصل معروف أن حرف الواو إذا دخل بين جملتين، الأولى ناقصة والأخرى تامة يجعل حرف الواو للعطف حتى يصير خبر الجملة التامة خبراً للجملة الناقصة.
وإذا دخل حرف الواو بين جملتين تامتين يجعل حرف الواو للاستئناف لا للعطف، حتى لا يصير خبر إحدى الجملتين خبراً للجملة الأخرى.
وجه قول أبي يوسف رحمه الله: أن حرف الواو دخل ههنا بين جملتين تامتين لأنه دخل بين يمينين تامتين، فيجعل للاستئناف لا للعطف، بخلاف قوله: امرأته طالق، وعبده حر إن شاء الله حيث تنصرف المشيئة هناك إلى الجملة؛ لأن هناك حرف الواو دخل بين جملتين، الأولى منهما ناقصة من حيث التعليق؛ لأنه ذكر شرطاً واحداً، فانصرف الشرط إلى الكل بحكم العطف. وهما يقولان حرف الواو دخل بين جملتين، الأولى منها ناقصة.
بيانه: أن اليمين الأولى إن كانت تامة في حق التعليق بمطلق الشرط فهي ناقصة في حق التعليق بمشيئة الله تعالى الذي يخرج الكلام بها من أن يكون إيقاعاً حالاً، وما لا مكان للمشيئة المذكورة في الجملة الأخرى مذكورة في الجملة الأخرى مذكور في الجملة الأولى بحكم العطف، وكذلك الجواب فيما إذا علقه بمشيئة فلان انصرفت المشيئة إلى اليمينين ثم إذا انصرفت المشيئة إلى اليمينين إن كانت مشيئة الله تعالى بطل جميع الكلام، وإن كانت مشيئة فلان توقف الانعقاد على مشيئته، وإن شاء فلان ذلك في مجلس العقد أو تعلق كل جزاء بشرطه كأنه قال: عند مشيئة فلان امرأته طالق إن دخل الدار، وعبده حر إن كلم فلاناً، وإن قال: لا أشاء بطل اليمينان، وكذلك إن شاء إحدى اليمينين بطلا؛ لأن الحالف علق انعقاد اليمينين بمشيئة اليمينين ولم يوجد ذلك في المجلس، فصار ذلك كما لو قال: امرأته طالق، وعبده حر إن شاء فلان فشاء أحدهما لا يقع شيء، وطريقه ما قلنا.
وذكر في «المنتقى» إذا قال: عمرة طالق ثلاثاً إن دخلت الدار، وزينب طالق واحدة إن كلمت فلاناً فهما يمينان، فإن استثنى بعد آخرهما ينصرف الاستثناء إلى اليمين الأخيرة، ولو أراد في القضاء والاستثناء على اليمين الأخيرة في القضاء.
وفي أيمان «الأصل» : فإذا قال: والله لا أكلم فلاناً والله لا أكلم فلاناً آخر، إنه إن عنى بالاستثناء اليمينين فهو على ما نوى من غير فصل بين القضاء والديانة وإن لم يكن له