فيسقط اعتبار المقارنة وتعلّق وقوع الطلاق بوصف التقدّم على الموتين بشرط اتصال أحدهما به.
ولو قال لها أنتِ طالق قبل قدوم فلان وفلان بشهر، فقدم أحدهما لتمام الشهر من وقت اليمين، ثمَّ قدم الآخر بعد ذلك طلقت؛ لأنّ وجود القدومين معاً ممتنع عادة، فيسقط اعتباره، فبقي الطلاق مضافاً إلى شهر بعد اليمين يتصل به قدوم أحدهما، وقدوم الآخر يتصل بمطلق الوقت. وهو نظير ما لو قال لامرأته أنتِ طالق قبل مطلع يوم الأضحى والفطر بشهر، فإنها تطلق إذا أهلَّ هلال رمضان؛ لأن الفطر مع الأضحى لا يوجدان معاً، فتعلق وقوع الطلاق بصفة التقدم، واعتبر اتصال الشهر بأحدهما دون الآخر كذا ها هنا، فصار موتهما وقدومهما من حيث إنّه يكتفى فيهما باتصال الشهر بأحدهما سواء، إلا أنّ فرق ما بينهما أنّه إذا مات أحدهما لتمام الشهر يقع الطلاق، ولا يتوقف وقوعه على موت الآخر، وإذا قدم أحدهما بعد تمام الشهر لا يقع الطلاق، بل يتوقف وقوعه على قدوم الآخر.
قال في «الجامع» أيضاً: إذا قال الرجل لامرأته أنتِ طالق قبل أن تحيضي حيضة بشهر، فمكثت بعد هذه المقالة شهراً، ثمَّ رأت الدم يوماً أو يومين في أيام حيضها، فإنّها لا تطلق ما لم يتمادى بها الدم ثلاثة أيام، وإذا تمادى يحكم بوقوع الطلاق من حين ما رأت الدم؛ لأنَّ بمادي الدم ثلاثة أيام تيقنا أنّ المرئي كان حيضاً من وقت الرؤية، فتيقنا بكون هذه الشهر شهراً قبل حيضها، ولا يتوقف وقوع الطلاق على الطهر. وإن ذكر الحيضة مع الهاء أنّها مع الهاء اسم للكامل منها؛ لأنّه ما جعل الحيضة شرطاً بل جعلها معرفة للوقت المضاف إليه الطلاق، وقد حصل التعريف بمضي ثلاثة أيام وإن لم تطهر، ثمَّ إذا وقع الطلاق عليها من حين ما رأت الدم، لا شكَّ أنَّ على قولهما يقتصر استدلالاً بنظائره من الميت والقدوم على ما مرّ.
وأمّا على قول أبي حنيفة رحمه الله قد اختلف المشايخ فيه، بعضهم قالوا: يستند وألحقوه بالموت، وبعضهم قالوا لا يستند، وألحقوه بالقدوم من حيث إنّ الحيضة ملفوظ بها على خطر الوجود، كالقدوم بخلاف الموت.
قال في «الجامع» : وإذا (قال) لامرأته أنتِ طالق ثلاثاً قبل موت فلان بشهر، ثمَّ إنّه خالعها على مال قبل تمام الشهر ثمَّ مات فلان لتمام الشهر، فالمسألة على وجهين: إن لم تكن المرأة في العدّة يوم مات فلان، بأن كانت غير مدخول بها أو كانت مدخولاً بها، إلا أنّه انقضت عدتها بوضع الحمل قبل تمام الشهر، لا يقع شيء عليها شيء من الطلقات المضاف.
أمّا عندهما فلأنّ الطلاق يقع عند الموت مقصوراً على حالة الموت، فيشترط قيام الملك عند الموت، ولم يوجد.
وعند أبي حنيفة رحمه الله يقع الطلاق في آخر جزء من آخر الحياة ويستند، فلا بد من قيام الملك في آخر جزء من آخر الحياة حتّى يقع ثمّ يستند، وإن كانت في العدة يقع الطلاق غير أنَّ عندهما يقتصر الوقوع على وقت الموت، فلا يتبين بطلان الخلع، وعند أبي حنيفة رحمه الله يستند، فيتبيّن أنّه حين خالعها لم يكن له عليها ملك فيتبيّن بطلان الخلع فكان عليه أن يردّ ما أخذ منها؛ لأنّه تبيّن أنّه أخذ ما أخذ بغير حق، ولم يذكر محمّد رحمه الله في «الكتاب» أنَّ العدة تعتبر من أيِّ وقت ولا شكَّ أن على قولهما تعتبر العدة من وقت الموت؛ لأنَّ عندهما يقع الطلاق مقصوراً على وقت الموت، وأما على